يُحْمَدُ الصَّبْرُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ وَأَمَّا فِيمَا بَعْدُ فَيَقَعُ السُّلُوُّ طَبْعًا.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ أَوَّلَ أَيَّامِ الْمُصِيبَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْأَحْمَقُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا مِنْ النَّارِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَدَّمْت اثْنَيْنِ قَالَ وَاثْنَيْنِ، قَالَ آخَرُ: قَدَّمْت وَاحِدًا قَالَ وَوَاحِدًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صَدْمَةٍ» .
وَفِي أُخْرَى «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ أَيْ وَلَدَانِ مِنْ أُمَّتِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَنْ لَهُ فَرَطٌ؟ قَالَ وَمَنْ لَهُ فَرَطٌ» الْحَدِيثَ.
وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا لَا يُحَدِّثُهُ إلَّا أَنَا، فَلَمَّا جَاءَتْ قَرَّبَتْ إلَيْهِ عَشَاءَهُ فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَتَصَنَّعُ لَهُ قَبْلُ فَغَشِيَهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَّتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ لَا، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَاحْتَسِبْ ابْنَك فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا» الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثٍ: «مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ» .
وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَشْعَثِ: إنَّك إنْ صَبَرْت صَبَرْت إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَإِلَّا سَلَوْت كَمَا تَسْلُو الْبَهَائِمُ: أَيْ لِأَنَّهُ بِطُولِ الزَّمَنِ يَقَعُ السُّلُوُّ طَبْعًا، وَقِيلَ لِمُصَابٍ: لَا تَجْمَعْ بَيْنَ مُصِيبَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ ذَهَابِ الْوَلَدِ وَالْأَجْرِ.
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إنَّ الْأَطْفَالَ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ أَيْ حُجَّابُ أَبْوَابِهَا يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ أَوْ قَالَ بِيَدِهِ فَلَا يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» .
وَضَحِكَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَفْنِهِ لِابْنِهِ فَقِيلَ لَهُ؟ فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ أُرْغِمَ الشَّيْطَانَ. وَرَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَدَهُ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَأَنْ تَكُونَ فِي مِيزَانِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي مِيزَانِك، وَلَمَّا أُسِيلَ دَمُ عُثْمَانَ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ قَتْلِهِ قَالَ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُ بِك عَلَيْهِمْ وَأَسْتَعِينُك عَلَى جَمِيعِ أُمُورِي وَأَسْأَلُك الصَّبْرَ عَلَى مَا أَبْلَيْتَنِي وَلَمَّا قُطِعَتْ رِجْلُ عُرْوَةَ لِأَكِلَةٍ بِهَا لَمْ يَتَأَوَّهْ وَإِنَّمَا قَالَ: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢] وَلَمْ يَدَعْ وِرْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ؛ وَقَدِمَ فِيهَا عَلَى الْوَلِيدِ أَعْمَى فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute