للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ وَأَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ فَأَهْلَكَهُمْ إلَّا بَعِيرًا وَصَبِيًّا فَنَدَّ الْبَعِيرُ فَاتَّبَعَهُ، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَكَلَ صَبِيَّهُ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَعِيرَ رُمْحُهُ فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ وَذَهَبَ فَأَصْبَحَ لَا مَالَ وَلَا وَلَدَ فَقَالَ الْوَلِيدُ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى عُرْوَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً مِنْهُ.

وَرَأَى الْمَدَائِنِيُّ امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا نَضْرَةُ السُّرُورِ فَبَيَّنَتْ لَهُ أَنَّهَا قَرِيبَةُ أَحْزَانٍ وَهُمُومٍ، وَأَنَّ زَوْجَهَا ذَبَحَ شَاةً، فَأَرَادَ أَحَدُ ابْنَيْهَا أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ كَذَلِكَ فَذَبَحَهُ فَخَافَ فَفَرَّ إلَى الْجَبَلِ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَفَرَّ أَبُوهُ خَلْفَهُ فَتَاهَ وَمَاتَ عَطَشًا، فَقَالَ: لَهَا كَيْفَ أَنْتِ وَالصَّبْرُ؟ قَالَتْ كَانَ جُرْحًا فَانْدَمَلَ.

قِيلَ: وَسَبَبُ تَوْبَةِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ سِكِّيرًا فَمَاتَتْ لَهُ بِنْتٌ كَانَ يُحِبُّهَا، فَرَأَى لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، وَحَيَّةٌ عَظِيمَةٌ تَتْبَعُهُ كُلَّمَا أَسْرَعَ أَسْرَعَتْ، فَمَرَّ بِشَيْخٍ ضَعِيفٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْهَا، فَقَالَ: أَنَا عَاجِزٌ، مُرَّ وَأَسْرِعْ لَعَلَّك تَنْجُو مِنْهَا فَأَسْرَعَ وَهِيَ خَلْفَهُ حَتَّى مَرَّ عَلَى طَبَقَاتِ النَّارِ وَهِيَ تَفُورُ، وَكَادَ أَنْ يَهْوِيَ فِيهَا، وَإِذَا بِصَوْتٍ لَسْتَ مِنْ أَهْلِي، فَمَرَّ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ بِهِ طَاقَاتٌ وَسُتُورٌ، وَإِذَا بِصَوْتٍ أَدْرِكُوا هَذَا الْيَائِسَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ عَدُوُّهُ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ أَطْفَالٌ فِيهِمْ بِنْتُهُ فَنَزَلَتْ إلَيْهِ، وَضَرَبَتْ بِيَدِهَا الْيُمْنَى إلَى الْحَيَّةِ فَوَلَّتْ هَارِبَةً، وَجَلَسَتْ فِي حِجْرِهِ قَائِلَةً: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: ١٦] فَقُلْت أَتَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالَتْ: نَحْنُ أَعْرَفُ بِهِ مِنْكُمْ، ثُمَّ سَأَلَهَا مَا مُقَامُهُمْ هُنَا؟ ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ أُسْكِنُوا هُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَنْتَظِرُونَ آبَاءَهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْحَيَّةِ؟ فَقَالَتْ عَمَلُك السُّوءُ، وَعَنْ الشَّيْخِ؟ فَقَالَتْ عَمَلُك الصَّالِحُ أَضْعَفْتَهُ حَتَّى لَمْ تَكُنْ لَهُ طَاقَةٌ بِعَمَلِك السُّوءِ فَتُبْ إلَى اللَّهِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْهَالِكِينَ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ وَاسْتَيْقَظَ فَتَابَ تَوْبَةَ النَّصُوحِ لِوَقْتِهِ، فَتَأَمَّلْ نَفْعَ الذُّرِّيَّةِ لَكِنْ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ رَضِيَ أَوْ صَبَرَ، وَأَمَّا مَنْ سَخِطَ فَدَعَا بِوَيْلٍ أَوْ لَطْمٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ حَلْقٍ مَثَلًا فَعَلَيْهِ سَخَطُ اللَّهِ وَلَعَنَتُهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَرُوِيَ أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الْفَخِذِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُحْبِطُ الْأَجْرَ. وَرُوِيَ أَيْضًا: «مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَخَرَقَ عَلَيْهَا ثَوْبًا أَوْ لَطَمَ خَدًّا أَوْ شَقَّ جَيْبًا أَوْ نَتَفَ شَعَرًا فَكَأَنَّمَا أَخَذَ رُمْحًا يُرِيدُ أَنْ يُحَارِبَ بِهِ رَبَّهُ» .

قَالَ صَالِحٌ الْمُزَنِيّ: نِمْت لَيْلَةَ جُمُعَةٍ بِمَقْبَرَةٍ فَرَأَيْت الْأَمْوَاتَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ وَتَحَلَّقُوا، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ أَطْبَاقٌ مُغَطَّاةٌ وَفِيهِمْ شَابٌّ يُعَذَّبُ فَتَقَدَّمْتُ وَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: وَالِدَتِي جَمَعَتْ النَّوَادِبَ فَأَنَا مُعَذَّبٌ بِذَلِكَ فَلَا جَزَاهَا اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا وَبَكَى، ثُمَّ أَمَرَنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>