للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَامَةٌ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَنْدَمَ عَلَى كُفْرِهِ، بَلْ تَجِبُ مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ، ثُمَّ وِزْرُ الْكُفْرِ يَسْقُطُ بِالْإِيمَانِ وَالنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ ضُرُوبِ التَّوْبَةِ فَقَبُولُهُ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ؛ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَتَابَ عَنْ كُفْرِهِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ اسْتَدَامَ مَعَاصِيَ أُخَرَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِي الْكُفْرِ فَغَيْرُهُ لَا يُكَفَّرُ إلَّا بِتَوْبَةٍ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سَنَدِهِ الْكَبِيرِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِالْأَوَّلِ وَلَا بِالْآخِرِ وَإِنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» . وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ يُكَفِّرُ سَائِرَ الْمَعَاصِي لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا إذَا أَسْلَمَ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ: قَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ وَكَأَنَّهُ إذَا تَابَ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّارِقِ حِينَ قَطَعَهُ تُبْ إلَى اللَّهِ» وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ سِوَى عَذَابِ الْآخِرَةِ مُؤَاخَذَاتٌ فِي الدُّنْيَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَقَاءُ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْقَوَدَ أَوْ بَدَلَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ لِتَوْبَةٍ وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْبَةً أَوْ قَهْرًا فَلَا انْتَهَى، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِيءَ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» . وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَابَ سَقَطَ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَطَعَهُ: تُبْ إلَى اللَّهِ» وَبِهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ وَالْأَقْوَالُ الْمُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ التَّوْبَةَ الَّتِي تَمْحُو الْإِثْمَ تَنْقَسِمُ إلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَإِلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ. فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ: كَوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَشُرُوطُ التَّوْبَةِ أَوْ أَرْكَانُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ إذْ مَنْ أَرَادَ بِالتَّوْبَةِ مَدْلُولَهَا اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الرُّجُوعُ يَجْعَلُ تِلْكَ شُرُوطًا، وَمَنْ أَرَادَ بِهَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ يَجْعَلُ تِلْكَ أَرْكَانًا ثَلَاثَةً قِيلَ وَعَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَالتَّوْبَةُ النَّدَمُ فَقَطْ لِخَبَرِ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» . وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>