للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وما يذكرون إلا أن يشاء الله} (١) فَلَا مُرَادَ لِأَحَدٍ مَعَهُ وَلَا إِرَادَةَ لِأَحَدٍ إلا بعد إرادته عز وجل أي الكونية، فالإرادة المثبتة لله تعالى قسمان، كونية لا يمكن أن يحدث خلافها، وشرعية جعل للعبد فيها اختياراً، فهو سبحانه أراد الفسق كوناً وقدراً لم يرده شرعاً، أما الخير فأراده كوناً وشرعاً.

وهنا مسألتان تتعلقان بالكلام عن الإرادة:

١-من انفراده تعالى بالإرادة أن يهدي من يريد ويضل من يريد، ولكنه سبحانه لا يظلم أحداً، فهدايته للعبد وإسعاده فضل ورحمة وإضلاله وإبعاده عدل وحكمة، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْهِدَايَةِ فَيَهْدِيهِ وَمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْإِضْلَالِ فَيُضِلُّهُ وَهُوَ أَحْكَمُ الحاكمين.

٢-قد يقول قائل: إذا كان الله يكره السيئات فلم قدر وجودها؟ وهل يأتي المكروه بمحبوب؟

والجواب:

أولاً: ينبغي للسائل البحث في غير هذا مما يهم فإن الاعتراض على أفعاله تعالى كالاعتراض على أسمائه وصفاته، فهو سبحانه له صفات الكمال وأفعال الكمال وأفعال الكمال لحكمة بالغة {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (٢) .

ثانياً: لو لم يقدر الله السيئات لجبر عباده كلهم على الإيمان، ولما كان هناك فريقان أحدهما يستحق الجنة والآخر يستحق النار، ولانتفت حكمة الله عز وجل من ابتلاء العباد في هذه الحياة، وهو سبحانه لم يرد هذه السيئات شرعاً بل نفر من عنها وإنما شاء وقوعها في الكون مشيئة قدرية يتحقق بها عدل الله تعالى ويكون من ورائها الخير.


(١) المدثر: ٥٦.
(٢) الأنبياء: ٢٣.

<<  <   >  >>