وهنا تأتي الإجابة على السؤال الخير، فنقول نعم، قد تأتي السيئة المكروهة التي قدرها الله بالخير، فإنه سبحانه ليس فيما قدره شر أبداً، وإنما الشر الذي أوجده الله عز وجل هو شر من ناحية إضافته للعبد لا من جهة إضافته لله، فعلى سبيل المثال، قد يترتب على وقوع السيئات من محاب الله ومرضاته ما هو أعلم به فِي حَقِّ فَاعِلِهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ وَالِاعْتِرَافِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ وَنَفْيِ الْعَجَبِ الْمُحْبِطِ لِلْحَسَنَاتِ عَنْهُ وَدَوَامِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ وَتَمَحُّضِ الِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الِاسْتِغْفَارِ وغير ذلك من الفرائض المحبوبة للرب عز وجل، ولذا جاء في الْحَدِيثِ:(لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَأَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)(١) ففي فعل هذه الأمور المحبوبة غَايَةُ مَصْلَحَةِ الْعَبْدِ وَسَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ، وَإِنْ لَمْ يقع من ذَلِكَ فَلِخُبْثِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى ومجاورة المولى وحينئذ يأتي الخير الثاني، وهو ما يترتب من فَرَائِضُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي هِيَ مِنْ وَظَائِفِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ الخير الثالث، وهو ما يكره الله به أولياءه من الفتح أو الشهادة وغير ذلك كثير من الخير في كل ما قدره الله تعالى، ولكل ذلك لا ينسب الشر إلى الله تعالى وما كان من شر فَمِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى فِعْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا معصية مذمومة مكروهة للرب غير محبوبة، ونسبة الخير لله وعدم نسبة الشر إليه معروف في كثير من الآيات والأحاديث ومن ذلك على سبيل المثال ما ذكره الله عز وجل من قول الْجِنِّ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ في الأرض أم أراد بهم
(١) رواه مسلم في التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، وانظر صحيح مسلم بشرح النووي جـ ١٧ ص ٦٥.