للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-وأما العبادة فهي اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى ويرضاه مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَالظَّاهِرَةُ كَالتَّلَفُّظِ بالشهادتين وإقامة الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ الْخَيْرَ والدعوة إلى الله عز وجل والمباحات مع تحسين النية فيها ومتابعة السنة، وَالْبَاطِنَةُ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَخَوْفِهِ ورجائه والتوكل عليه والرغبة إِلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِي اللَّهِ والموالاة والمعاداة فيه وغير ذلك.

هذا من حيث أفراد العبادة وأنواعها أما من حيث مناطها الذي تدور حوله ولا تصح إلا به فهي كمال الحب ونهايته وكمال الذل له تعالى ونهايته، وَلَا تَنْفَعُ عِبَادَةٌ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلِذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حَرُورِيُّ (١) وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ.

وبيان ذلك أَنَّ دَعْوَى الْحُبِّ لِلَّهِ بِلَا تَذَلُّلٍ وَلَا خَوْفٍ وَلَا رَجَاءٍ وَلَا خَشْيَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ ولا خضوع دعوى كاذبة، ولذا نرى مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَرْتَكِبُهَا وَلَا يُبَالِي ويحتج بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَأَنَّهُ مُطِيعٌ لَهَا وَهَذَا شَأْنُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ولا آباؤنا} (٢) وإمامهم في ذلك إبليس إذ قال: {رب بما أغويتني} (٣) ، وَإِنَّمَا الْمَحَبَّةُ نَفْسُ وِفَاقِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُ مَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ، وَإِنَّمَا تَتَلَقَّى مَعْرِفَةُ مَحَابِّ اللَّهِ وَمَعَاصِيهِ مِنْ طريق الشرع وإنما تحصل بمتابعة الشارع {قل


(١) الحَرُورِية هم الخوارج نسبة إلى حَرُوراء انظر ص: ٣٨٢.
(٢) الأنعام: ١٤٨.
(٣) الحجر: ٣٩.

<<  <   >  >>