للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (١) فمن ادعى محبة الله ولم يكن متبعاً رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كاذب، وقال الشافعي رحمه الله: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ أَوْ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تُصَدِّقُوهُ حَتَّى تَعْلَمُوا مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَأَمِنَ مَكْرَ اللَّهِ، وقد قال تَعَالَى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الخاسرون} (٢)

وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ سَاءَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ وَقَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَئِسَ من روحه وقد قال الله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (٣) ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضالون} (٤) .

فَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ خُسْرَانٌ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِهِ كُفْرَانٌ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ضَلَالٌ وَطُغْيَانٌ، وَعِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ تَوْحِيدٌ وَإِيمَانٌ، فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عذابه} (٥) ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} (٦) وَبَيَّنَ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آل زكريا: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا ورهباً وكانوا لنا خاشعين} (٧)

فَتَارَةً يَمُدُّهُ الرَّجَاءُ وَالرَّغْبَةُ، فَيَكَادُ أَنْ يَطِيرَ شَوْقًا إِلَى اللَّهِ، وَطَوْرًا يَقْبِضُهُ الْخَوْفُ وَالرَّهْبَةُ فَيَكَادُ أَنْ يَذُوبَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ دَائِبٌ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ رَبِّهِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ خَائِفٌ مِنْ عُقُوبَاتِهِ مُلْتَجِئٌ مِنْهُ إِلَيْهِ، عائذ به راغب فيما لديه (٨) .


(١) آل عمران: ٣١.
(٢) الأعراف: ٩٩.
(٣) يوسف: ٨٧.
(٤) الحجر: ٥٦.
(٥) الإسراء: ٥٧.
(٦) الزمر: ٩.
(٧) الأنبياء: ٩٠.
(٨) قد يكون الحب والخوف حباً فطرياً وخوفاً فطرياً لا عبادة فيهما، فالمحبة التي ليست مَعَهَا خَوْفٌ وَلَا تَذَلُّلٌ كَمَحَبَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ ولكن إذا اقتضى ذلك تقديم مرادات المحبوب ومطالبه على مرادات الله كان في ذلك عبودية لها تنقص في توحيد العبد بقدرها كما قَالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: ٤٣] ، فهو الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه مهما خالف مراد الله، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ... ) وهو من استرق المال قلبه وأصبح رضاه وسخطه من أجله، وكذلك الخوف بدون محبة كالخوف الفطري من الوحوش والحريق والعدو والغرق وغير ذلك فليس بعبادة لكن إذا وصل الأمر إلى حد الخشية بالغيب والنكوص عن الدين بسبب ذلك الخوف فذلك خوف كفري لا فطري. كما قال تعالى عن الذين نكصوا عن الدين وشر حوا بالكفر صدراً: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة = =الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} [النحل: ١٠٧] ، فخوفهم على دنياهم وحبهم لها ليس خوفاً طبيعياً ولا حباً طبيعياً بل كان خوفاً كفرياً وحباً كفرياً. والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>