للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمَّتُهُ، أَوْ إِعْلَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَقَوْمَهُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ قَصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا مَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْآيَاتِ قبل أن أنزل اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ.

بَنِي إِسْرائِيلَ مَنْ كَانَ بحضرته منهم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو من آمن من بِهِ مِنْهُمْ، أَوْ عُلَمَاؤُهُمْ، أَوْ أَنْبِيَاؤُهُمْ، أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ.

وكَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِ آتَيْناهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ أَوَّلٌ عَلَى مَذْهَبِ السُّهَيْلِيِّ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ، وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، قَالَ:

وَكَمْ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِمَّا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ بَعْدَهَا، لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ: كَمْ آتَيْنَاهُمْ، أَوْ بِإِتْيَانِهِمْ. انْتَهَى. وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: مِنْ آية تمييزا لكم، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُفَسِّرَ لِهَذَا الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ لَمْ يَعْمَلْ فِي ضَمِيرِ الِاسْمِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَصِبِ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَلَا فِي سَبَبِيَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ. وَنَظِيرُ مَا أَجَازَ أَنْ يَقُولَ: زَيْدًا ضَرَبْتُ، فَتُعْرِبُ زَيْدًا مَفْعُولًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، التَّقْدِيرُ: زَيْدًا ضَرَبْتُ ضَرَبْتُ، وَكَذَلِكَ: الدِّرْهَمَ أَعْطَيْتُ زَيْدًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَهَبَ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، بَلْ نُصُوصُ النَّحْوِيِّينَ، سِيبَوَيْهِ فَمَنْ دُونَهُ، عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ مَنْصُوبٌ بِالْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ تَمْيِيزُ: كَمْ، مَحْذُوفًا.

وَأُطْلِقَتْ: كَمْ، عَلَى الْقَوْمِ أَوِ الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ: كَمْ مِنْ جَمَاعَةٍ آتَيْنَاهُمْ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ، إِذْ فِي الْجُمْلَةِ الْمُفَسِّرَةِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى: كَمْ، وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ: كَمْ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: آتَيْنَاهُمْ، فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: آتَيْنَاهُمُوهُ، أَوْ آتَيْنَاهُمُوهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، أَوْ فِي شَاذٍّ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ «١» بِرَفْعِ الْحُكْمِ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: لَوْ كَانَ الْمُبْتَدَأُ غير: كل، والضمير مفعول بِهِ، لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ حَذْفُهُ مَعَ بَقَاءِ الرَّفْعِ إِلَّا فِي الِاضْطِرَارِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَيَرَوْنَهُ ضَعِيفًا، انْتَهَى. فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الِاضْطِرَارِ، أَوْ ضَعِيفًا، فَأَيُّ دَاعِيَةٍ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَرُجْحَانِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وكم، هُنَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَمَعْنَاهَا التَّقْرِيرُ لَا حَقِيقَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ


(١) سورة المائدة: ٥/ ٥٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>