للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْرُجُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِذَا تَقَدَّمَهُ مَا يُخْرِجُهُ، نَحْوَ قَوْلِكَ: سَوَاءٌ عَلَيْكَ أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ قَعَدَ، و: ما أُبَالِي أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ قَعَدَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ أَوْ عَمْرٌو وَمَا أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ، فَكُلُّ هَذَا صُورَتُهُ صُورَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ عَلَى التَّرْكِيبِ الِاسْتِفْهَامِيِّ وَأَحْكَامِهِ، وَلَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ.

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: كَمْ آتَيْناهُمْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي: لسل، لِأَنَّ سَأَلَ يَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا: بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: بِحَرْفِ جَرٍّ، إِمَّا عَنْ، وَإِمَّا الْبَاءُ. وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الضَّرُورَةِ نَحْوَ.

فَأَصْبَحْنَ لَا يَسْأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ وَ: سَأَلَ، هُنَا مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْجُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، فَهِيَ عَامِلَةٌ فِي الْمَعْنَى، غَيْرُ عَامِلَةٍ فِي اللَّفْظِ، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ إِلَّا الْجَارُّ، قَالُوا: وَإِنَّمَا عُلِّقَتْ: سَلْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، لِأَنَّ السُّؤَالَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ، فَأُجْرِيَ السَّبَبُ مَجْرَى الْمُسَبَّبِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ «١» وَقَالَ الشَّاعِرُ.

سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وَقَالَ:

وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَةَ الْبِكْرِيِّ مَا فَعَلَا وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ: كَمْ، هُنَا خَبَرِيَّةً، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَمِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَمْ خَبَرِيَّةٌ؟

قُلْتُ: يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فِيهَا التَّقْدِيرُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ جَعْلَهَا خَبَرِيَّةً هُوَ اقْتِطَاعٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ السُّؤَالِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَا ذُكِرَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: كَثِيرًا مِنَ الْآيَاتِ آتَيْنَاهُمْ، فَيَصِيرُ هَذَا الْكَلَامُ مُفَلَّتًا مِمَّا قَبْلَهُ، لِأَنَّ جُمْلَةَ: كَمْ آتَيْنَاهُمْ، صَارَ خَبَرًا صِرْفًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ:

سَلْ، وَأَنْتَ تَرَى مَعْنَى الْكَلَامِ، وَمَصَبَّ السُّؤَالِ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، وَيَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ الْخَبَرِيَّةِ إِلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ، وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثاني: لسل،


(١) سورة القلم: ٦٨/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>