اسْتُثْنِيَ بِهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الدِّرْهَمُ. وَيَكُونُ إِلَّا دِرْهَمًا اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا مِنَ الْمَفْعُولِ الَّذِي حُذِفَ، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى: مَا أَخَذَ زَيْدٌ شَيْئًا إِلَّا دِرْهَمًا. وَتَصْحِيحُهَا عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ بِأَنْ يَزِيدَ فِيهَا مَنْصُوبًا قَبْلَ إِلَّا فَيَقُولُ: مَا أَخَذَ أَحَدٌ شَيْئًا إِلَّا زَيْدٌ دِرْهَمًا. وَ: مَا ضَرَبَ الْقَوْمُ أَحَدًا إِلَّا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَكُونُ الْمَرْفُوعُ بَدَلًا مِنَ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَنْصُوبُ بَدَلًا مِنَ الْمَنْصُوبِ، هَكَذَا خَرَّجَهُ بعضهم.
قال ابن السراح: أعطيت الناس درهما إلا عَمْرًا جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ أعطيت الناس درهما إلا عمر الدنانير، لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يُسْتَثْنَى بِهِ إِلَّا وَاحِدٌ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا أَعْطَيْتُ النَّاسَ دِرْهَمًا إِلَّا عَمْرًا دَانِقًا، عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، لَمْ يَجُزْ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ جَازَ، فَتُبْدِلُ عَمْرًا مِنَ النَّاسِ، وَدَانِقًا مِنْ دِرْهَمٍ، كَأَنَّكَ قُلْتَ مَا أَعْطَيْتُ إِلَّا عَمْرًا دَانِقًا. وَيَعْنِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ فِي الْمَفْعُولَيْنِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا قَالَهُ ابْنُ السراح فِيهِ ضَعْفٌ، لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لَا بُدَّ مِنَ اقْتِرَانِهِ بِإِلَّا، فَأَشْبَهَ الْمَعْطُوفَ بِحَرْفٍ، فَكَمَا لَا يَقَعُ بَعْدَهُ مَعْطُوفَانِ لَا يَقَعُ بَعْدَ إِلَّا بَدَلَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ إِلَّا مُسْتَثْنَيَانِ دُونَ عَطْفٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ إِلَّا هِيَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُعَدَّيَةٌ، وَلَوْلَا إِلَّا لَمَا جَازَ لِلِاسْمِ بَعْدَهَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا قَبْلَهَا، فَهِيَ: كَوَاوِ مَعَ وَكَالْهَمْزَةِ: الَّتِي جُعِلَتْ لِلتَّعْدِيَةِ فِي بِنْيَةِ الْفِعْلِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا تُعَدَّى: وَاوُ مَعَ وَلَا الْهَمْزَةُ لِغَيْرِ مَطْلُوبِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا بِحَرْفِ عَطْفٍ، فَكَذَلِكَ إِلَّا، وَعَلَى هَذَا الَّذِي مَهَّدْنَاهُ يَتَعَلَّقُ: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْتَصِبُ: بَغْيًا، بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ.
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ الَّذِينَ آمَنُوا: هُمْ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالضَّمِيرُ: فِيمَا اخْتَلَفُوا، عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ أُوتُوهُ، أَيْ لَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ مَنِ اخْتَلَفَ، وَمِنَ الْحَقِّ تَبْيِينُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَ: مَنْ، تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ: مَا، فَتَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، التَّقْدِيرُ: لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُنَا عَلَى الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ حُمِلَ هَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا، وَفِي تَعْيِينِهِ خِلَافٌ: أَهُوَ الْجُمُعَةُ؟ جَعَلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute