للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَهُودُ السَّبْتَ، وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ، وَكَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا فُرِضَتْ عَلَيْنَا؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «نَحْنُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ» . فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى.

أَوِ الصَّلَاةُ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، فَهَدَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْقِبْلَةِ. قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.

أو إبراهيم على نبينا وعليه السَّلَامُ؟ قَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ:

كَانَ يَهُودِيًّا، فَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ لِدِينِهِ بِقَوْلِهِ: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا «١» أَوْ عِيسَى؟ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، جَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لَعْنَةً، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا فَهَدَانَا اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِ الْحَقِّ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. أَوِ الْكُتُبُ الَّتِي آمَنُوا بِبَعْضِهَا وَكَفَرُوا بِبَعْضِهَا؟ أَوِ الصِّيَامُ؟

اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِشَهْرِ رَمَضَانَ.

فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: فِي الْكَلَامِ قَلْبٌ، وَتَقْدِيرُهُ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِلْحَقِّ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَدَعَاهُ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ خَوْفُ أَنْ يُحْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَقِّ، فَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَعَسَاهُ غَيْرَ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ، قَالَ: وَادِّعَاءُ الْقَلْبِ عَلَى لَفْظِ كِتَابِ اللَّهِ دُونَ ضَرُورَةٍ تَدْفَعُ إِلَى ذَلِكَ عَجْزٌ وَسُوءُ نَظَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ يَتَخَرَّجُ عَلَى وجهه ووصفه لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَهَدَى، يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ، وَتَمَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: فِيهِ، وَتَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْحَقِّ، جِنْسُ مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ.

قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَقَدَّمَ لَفْظَ الْخِلَافِ عَلَى لَفْظِ الْحَقِّ اهْتِمَامًا، إِذِ الْعِنَايَةُ إِنَّمَا هِيَ بِذِكْرِ الْخِلَافِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ، وَهُوَ حَسَنٌ.

وَالْقَلْبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَخْتَصُّ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَلَا نُخَرِّجُ كَلَامَ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَبِإِذْنِهِ: مَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ أَوْ: بِأَمْرِهِ، وَتَوْفِيقِهِ، أَوْ بِتَمْكِينِهِ، أَقْوَالٌ مَرَّتْ مُشْبِعًا الْكَلَامَ عَلَيْهَا، فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ «٢» وَيَتَعَلَّقُ بِإِذْنِهِ بِقَوْلِهِ: فَهَدَى


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٦٧.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>