للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، سَأَلَ بِمَاذَا أَتَصَدَّقُ؟ وَعَلَى مَنْ أُنْفِقُ؟ قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ قَالَ: إِنَّ لِي دِينَارًا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ» فَقَالَ إِنَّ لِي دِينَارَيْنِ:

فَقَالَ: «أَنْفِقْهُمَا عَلَى أَهْلِكَ» فَقَالَ: إِنَّ لِي ثَلَاثَةً. فقال: «أنفقها عَلَى خَادِمِكَ» فَقَالَ: إِنَّ لي أربعة. فقال: «أنفقها عَلَى وَالِدَيْكَ» . فَقَالَ إِنَّ لي خمسة. فقال: «أنفقها عَلَى قَرَابَتِكَ» . فَقَالَ: إِنَّ لي ستة. فقال: «أنفقها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا» .

وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذَا التَّرَقِّي عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَاضِلٌ عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ فِي التَّطَوُّعِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهِمَ الْمَهْدَوِيُّ عَلَى السُّدِّيِّ فِي هَذَا، فَنُسِبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. ثُمَّ نُسِخَ مِنْهَا الْوَالِدَانِ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ: قَدَّمَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَهِيَ أَنَّهَا فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَعَلَى هَذَا نُسِخَ مِنْهَا الْوَالِدَانِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمَا مِنَ الْأَقْرَبِينَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هِيَ نَدْبٌ، وَالزَّكَاةُ غَيْرُ هَذَا الْإِنْفَاقِ، فَعَلَى هَذَا لَا نَسْخَ فِيهَا.

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى النَّفَقَةِ وَبَذْلِ الْمَالِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَحَلَّى بِهِ الْمُؤْمِنُ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، حَتَّى لَقَدْ وَرَدَ: الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.

وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي: يَسْأَلُونَكَ، لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْكَافُ لِخِطَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَ: مَاذَا، يَحْتَمِلُ هُنَا النَّصْبَ وَالرَّفْعَ، فَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّ: مَاذَا، كُلَّهَا اسْتِفْهَامٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ؟ فَمَاذَا مَنْصُوبٌ بِيُنْفِقُونَ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ: مَا. وحدها هي الاستفهام، وذا موصولة بمعنى الذي، وينفقون صِلَةٌ لِذَا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ بِهِ؟ فَتَكُونُ:

مَا، مَرْفُوعَةً بِالِابْتِدَاءِ، وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي خَبَرُهُ، وَعَلَى كِلَا الْإِعْرَابَيْنِ فَيَسْأَلُونَكَ مُعَلَّقٌ، فَهُوَ عَامِلٌ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِيَسْأَلُونَكَ، وَنَظِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ «١» عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ هُنَاكَ.

وَ: مَاذَا، سُؤَالٌ عَنِ الْمُنْفِقِ، لَا عَنِ الْمَصْرِفِ وَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: وَلِمَنْ يُعْطُونَهُ؟ وَنَظِيرُ الْآيَةِ فِي السُّؤَالِ وَالتَّعْلِيقِ. قَوْلُ الشاعر:


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>