أَلَا تَسْأَلَانِ الْمَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ إِلَّا أَنَّ: مَاذَا، هُنَا مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِيُحَاوِلُ، لِأَنَّ بَعْدَهُ:
أَنَحْبٌ فَيُقْضَى، أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ وَيَضْعُفُ أَنْ يَكُونَ: مَاذَا كُلُّهُ مُبْتَدَأٌ، وَ: يُحَاوِلُ، الْخَبَرُ لِضَعْفِ حَذْفِ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ مِنْ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ دُونَ الصِّلَةِ، فَإِنَّ حَذْفَهُ مِنْهَا فَصِيحٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَنَّ: مَاذَا، إِذَا كَانَتِ اسْمًا مُرَكَّبًا فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، إِلَّا مَا جَاءَ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَمَاذَا عَسَى الْوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا ... سِوَى أَنْ يَقُولُوا: إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ
فَإِنَّ عَسَى لَا تَعْمَلُ فِي: مَاذَا، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ مُرَكَّبٌ إِذْ لا صلة لذا. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ: لذا، فِي الْبَيْتِ صِلَةٌ لِأَنَّ عَسَى لَا تَقَعُ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ الِاسْمِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لذا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ اسْمًا مُرَكَّبَةً فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، إِلَّا، فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ لَا نَعْرِفُهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ: مَاذَا مَحْبُوبٌ لَكَ؟
وَ: مَنْ ذَا قَائِمٌ؟ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِيبِ، فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: مَا مَحْبُوبٌ؟ وَمَنْ قَائِمٌ؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ ذَا تَضْرِبُهُ؟ عَلَى تَقْدِيرِهِ: مَنْ تَضْرِبُهُ؟ وَجَعَلَ: مَنْ، مُبْتَدَأً.
قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ هَذَا بَيَانٌ لِمَصْرِفِ مَا يُنْفِقُونَهُ، وَقَدْ تضمن المسئول عَنْهُ، وَهُوَ الْمُنْفِقُ بِقَوْلِهِ: مِنْ خَيْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَاذَا سُؤَالًا عَنِ الْمَصْرِفِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ مَصْرِفُ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ أَيْ:
يَجْعَلُونَ إِنْفَاقَهُمْ؟ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِذْ ذَاكَ مُطَابِقًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ السُّؤَالُ الْمَصْرِفُ، وَمِنَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ ذِكْرُ الْمُنْفِقِ، وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ، وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَلَاغَةِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ «١» .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ بَيَانَ مَا يُنْفِقُونَهُ، وَهُوَ كُلُّ خَيْرٍ، وَبُنِيَ الْكَلَامُ عَلَى هَوَاهُمْ، وَهُوَ بَيَانُ الْمَصْرِفِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إِلَّا أَنْ تَقَعَ مَوْقِعَهَا، كقول الشاعر:
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٧١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute