نَاكَحَهَا كَمَا يُقَالُ بَاضَعَهَا، قِيلَ: وَقَدْ جَاءَ النِّكَاحُ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ خَاصَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامٌ، فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا
أَيْ فَاعْقِدْ وَتَزَوَّجْ، وَإِلَّا فَاجْتَنِبِ النِّسَاءَ وَتَوَحَّشْ، لِأَنَّهُ قَالَ: لَا تَقْرَبَنْ جَارَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْرُمُ. وَجَاءَ بِمَعْنَى الْمُجَامَعَةِ، كَمَا قَالَ:
الْبَارِكِينَ عَلَى ظُهُورِ نِسْوَتِهِمْ ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَاطِي دِجْلَةَ الْبَقَرَا
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فَرَّقَتِ الْعَرَبُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ بِفَرْقٍ لَطِيفٍ، فَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةً، أَرَادُوا بِهِ الْعَقْدَ لَا غَيْرَ، وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَلَا يُرِيدُونَ غَيْرَ الْمُجَامَعَةِ.
الْأَمَةُ: الْمَمْلُوكَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَهِيَ مَا حُذِفَ لَامُهُ، وَهُوَ وَاوٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظُهُورُهَا فِي الْجَمْعِ قَالَ الْكِلَابِيُّ:
أَمَّا الْإِمَاءُ فَلَا يَدْعُونَنِي وَلَدًا ... إِذَا تَدَاعَى بَنُو الْأَمْوَاتِ بِالْعَارِ
وَفِي الْمَصْدَرِ: يُقَالُ أَمَةٌ بَيِّنَةُ الْأُمُوَّةِ، وَأَقَرَّتْ بِالْأُمُوَّةِ، أَيْ بِالْعُبُودِيَّةِ. وَجُمِعَتْ أَيْضًا عَلَى:
إِمَاءٍ، وَأَآمٍ، نَحْوَ أَكَمَةٍ وَآكَامٍ وَأَكَمٍ، وَأَصْلُهُ أَأْمُو، وَجَرَى فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّصْرِيفُ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» .
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَمْشِي بِهَا رَيْدَ النَّعَا ... مِ تَمَاشِيَ الْآمِ الدَّوَافِرِ
وَوَزْنُهَا أَمْوَةٌ، فَحُذِفَتْ لَامُهَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، إِذْ كَانَ قِيَاسُهَا أَنْ تَنْقَلِبَ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا، وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا كَقَنَاةٍ، وَزَعَمَ أَبُو الْهَيْثَمِ: أَنَّ جَمْعَ الْأَمَةِ أَمْوٌ، وَأَنَّ وَزْنَهَا فَعْلَةٌ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، فَتَكُونُ مِثْلَ: نَخْلَةٍ وَنَخْلٍ، وَبَقْلَةٍ وَبَقْلٍ، فَأَصْلُهَا: أَمْوَةٌ فَحَذَفُوا لَامَهَا إِذْ كَانَتْ حَرْفَ لِينٍ، فَلَمَّا جَمَعُوهَا عَلَى مِثَالِ نَخْلَةٍ وَنَخْلٍ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: أَمَةٌ وَأُمٌّ، فَكَرِهُوا أَنْ يَجْعَلُوهَا حَرْفَيْنِ، وَكَرِهُوا أَنْ يَرُدُّوا الْوَاوَ الْمَحْذُوفَةَ لَمَّا كَانَتْ آخِرَ الِاسْمِ، فَقَدَّمُوا الْوَاوَ، وَجَعَلُوهُ أَلِفًا مَا بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْمِيمِ، وَمَا زَعَمَهُ أَبُو الْهَيْثَمِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى مَا زَعَمَ لَكَانَ الْإِعْرَابُ عَلَى الْمِيمِ كَمَا كَانَ عَلَى لَامِ نَخْلٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الَّتِي هِيَ لَامٌ، إِذْ أَصْلُهُ أَلَامُو، ثُمَّ عُمِلَ فِيهِ مَا عُمِلَ فِي قَوْلِهِمْ: الْأَدْلُوُّ، وَالْأَجْرُوُّ، جَمْعُ: دَلْوٍ، وَجَرْوٍ، وَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا كَمَا أُبْدِلَتْ فِي: آدَمَ، وَلِذَلِكَ تَقُولُ: جَاءَتِ الْآمِيُّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا زَعَمَ أَبُو الْهَيْثَمِ لَكَانَ: جَاءَتِ الْآمُّ، بِرَفْعِ الْمِيمِ.