للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعَ مُدَاوَمَتِهِمَا قَلَّ أَنْ يَبْقَى مَالٌ فَتَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ تُجَاهِدَ بِهِ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُمَا.

وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ مُبَاحًا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَسُورَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ «١» وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا نَزَلَ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ كَرِهَ الْخَمْرَ قَوْمٌ لِلْإِثْمِ، وشربتها قَوْمٌ لِلْمَنَافِعِ، حَتَّى نَزَلَ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «٢» فَاجْتَنَبُوهَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَ: فَاجْتَنِبُوهُ «٣» فَحُرِّمَتْ. قَالَ مَكِّيٌّ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ نُزُولَ الْمَائِدَةِ بَعْدَ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ذَمَّ اللَّهُ الْخَمْرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ مُبَاحًا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ إِبَاحَتَهَا، ثُمَّ نُسِخَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ مَسْكُوتًا عَنْ شُرْبِهَا، فَكَانُوا جَارِينَ فِي شُرْبِهَا عَلَى عَادَتِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَ التَّحْرِيمُ. كَمَا سَكَتَ عَنْهُمْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى وَقْتِ التَّحْرِيمِ.

وَجَاءَ: وَيَسْئَلُونَكَ بِوَاوِ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ مَنْ سَأَلَ اثْنَيْنِ: وَهُمَا عمرو وَمُعَاذٌ، عَلَى مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَنْسِبُ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْجَمَاعَةِ فِي كَلَامِهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ.

وَالسُّؤَالُ هُنَا لَيْسَ عَنِ الذَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ حُكْمِ هَذَيْنِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَانْتِفَاعٍ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْجَوَابُ مُنَاسِبًا لِذَلِكَ، لَا جَوَابًا عَنْ ذَاتٍ.

وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخَمْرِ فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَأَفْسَدَهُ مِمَّا يُشْرَبُ يُسَمَّى خَمْرًا، وَقَالَ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الْخَمْرُ اسْمُ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ خَاصَّةً، وَنَقَلَ عَنْهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ: أَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُ هُوَ اسْمُ مَا اتُّخِذَ مِنَ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَقَالَ: إِنَّ الْمُتَّخَذَ مِنَ الذُّرَةِ وَالْحِنْطَةِ لَيْسَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْمُشَوِّشَةِ لِلْعَقْلِ: كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ، وَقِيلَ: الصَّحِيحُ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ مِنَ الْخَمْرِ.

وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَيْسِرِ وَهُوَ: قِمَارُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَاسْمُ الْمَيْسِرِ يُطْلَقُ عَلَى سَائِرِ ضُرُوبِ الْقِمَارِ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ،

قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٤٥.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٥٤٣. [.....]
(٣) سورة المائدة: ٥/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>