للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، جُمْلَةً اعْتِرَاضِيَّةً، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ باب التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، لِأَنَّ شَرْطَ جُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِ أَنْ تَكُونَ فَاصِلَةً بَيْنَ مُتَقَاضِيَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلْمُؤْمِنِينَ آيَاتٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَنْزِلَتِهِمَا، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَقَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا، مُتَعَلِّقٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: بِالْآيَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَشَرَحَ مَكِّيٌّ الْآيَةَ بِأَنْ جَعَلَ الْآيَاتِ مُنَكَّرَةً، حَتَّى يَجْعَلَ الظَّرْفَيْنِ صِفَةً لِلْآيَاتِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: آيَاتٌ كَائِنَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ شَرْحُ مَعْنَى لَا شَرْحُ إِعْرَابٍ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِالْآيَاتِ إِنْ عَنَى ظَاهِرَ مَا يُرِيدُهُ النُّحَاةُ بِالتَّعَلُّقِ فَهُوَ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْآيَاتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا جَارٌّ وَمَجْرُورٌ، وَلَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ الْبَتَّةَ، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ يَكُونُ الظَّرْفُ مِنْ تَمَامِ الْآيَاتِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِاعْتِقَادِ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: كَائِنَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ مَكِّيٌّ بِمَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صِفَةً، إِذْ قَدَّرَ الْآيَاتِ مُنَكَّرَةً، وَالْحَالَ وَالصِّفَةَ سَوَاءً فِي أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِمَا مَحْذُوفٌ إِذَا كَانَا ظَرْفَيْنِ أَوْ مَجْرُورَيْنِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ: فِي الدُّنْيَا، مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ لَا بِالْآيَاتِ، وَعَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ، تَكُونُ الْآيَاتُ مَوْصُولًا وُصِلَ بِالظَّرْفِ وَلِتَقْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ وَرَدِّهِ موضع غير هذا.

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَحَرَّجُونَ مِنْ مُخَالَطَةِ الْيَتَامَى فِي مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَتَجَنَّبُونَ أَمْوَالَهُمْ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ. وَقِيلَ:

لَمَّا نَزَلَتْ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ

«١» إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى «٢» تَجَنَّبُوا الْيَتَامَى وَأَمْوَالَهُمْ، وَعَزَلُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَنَزَلَتْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا، أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ السُّؤَالَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَكَانَ تَرْكُهُمَا مَدْعَاةً إِلَى تَنْمِيَةِ الْمَالِ، وَذَكَرَ السُّؤَالَ عَنِ النَّفَقَةِ، وَأُجِيبُوا بِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مَا سَهُلَ عَلَيْهِمْ، نَاسَبَ ذَلِكَ النَّظَرُ فِي حَالِ الْيَتِيمِ، وَحِفْظُ مَالِهِ، وَتَنْمِيَتُهُ، وَإِصْلَاحُ الْيَتِيمِ بِالنَّظَرِ فِي تَرْبِيَتِهِ، فَالْجَامِعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّ فِي تَرْكِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِصْلَاحَ أَحْوَالِهِمْ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي النَّظَرِ فِي حَالِ الْيَتَامَى إِصْلَاحًا لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ عَاجِزٌ أَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ، فَيَكُونُ قَدْ جَمَعُوا بَيْنَ النَّفْعِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّائِلَ جَمَعَ الِاثْنَيْنِ بِوَاوِ الْجَمْعِ وَهِيَ لِلْجَمْعِ بِهِ وقيل به.


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٥٢. والإسراء: ١٧/ ٣٤.
(٢) سورة النساء: ٤/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>