وَقَالَ مُقَاتِلٌ: السَّائِلُ ثَابِتُ بْنُ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رواحة، وَقِيلَ:
السَّائِلُ مَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِخَلْطِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِأَمْوَالِهِمْ، فَأَعْلَمَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنَمَا كانت مخالطتهم مشؤومة لِتَصَرُّفِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ تَصَرُّفًا غَيْرَ سَدِيدٍ، كَانُوا يَضَعُونَ الْهَزِيلَةَ مَكَانَ السَّمِينَةِ، وَيُعَوِّضُونَ التَّافِهَ عَنِ النَّفِيسِ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ الإصلاح لليتيم يتناول إِصْلَاحِهِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ، وَإِصْلَاحِ ماله بالتنمية والحفظ.
وإصلاح: مُبْتَدَأٌ وَهُوَ نَكِرَةٌ، وَمُسَوِّغُ جَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ هُنَا هُوَ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ: لَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْمُولِ لِلْمَصْدَرِ، وَ: خَيْرٌ، خَبَرٌ عَنْ إِصْلَاحٍ، وَإِصْلَاحٌ كَمَا ذَكَرْنَا مَصْدَرٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ، فَيَكُونُ: خَيْرٌ، شَامِلًا لِلْإِصْلَاحِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، فَتَكُونُ الْخَيْرِيَّةُ لِلْجَانِبَيْنِ مَعًا، أَيْ أَنَّ إِصْلَاحَهُمْ لِلْيَتَامَى خَيْرٌ لِلْمُصْلِحِ وَالْمُصْلَحِ، فَيَتَنَاوَلُ حَالَ الْيَتِيمِ، وَالْكَفِيلِ، وَقِيلَ: خَيْرٌ للولي، والمعنى: إصلاحه مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا أُجْرَةٍ خَيْرٌ لَهُ وَأَعْظَمُ أَجْرًا، وَقِيلَ: خَيْرٌ، عَائِدٌ لِلْيَتِيمِ، أَيْ: إِصْلَاحُ الْوَلِيِّ لِلْيَتِيمِ، وَمُخَالَطَتُهُ لَهُ، خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ مِنْ إِعْرَاضِ الْوَلِيِّ عَنْهُ، وَتَفَرُّدِهِ عَنْهُ، وَلَفْظُ: خَيْرٌ، مُطْلَقٌ فَتَخْصِيصُهُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَحْتَاجُ إِلَى مُرَجِّحٍ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَحْسَنُ.
وقرأ طاووس: قُلْ إِصْلَاحٌ إِلَيْهِمْ، أَيْ: فِي رِعَايَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ خَيْرٌ مِنْ تَحَرُّجِكُمْ، أَوْ خَيْرٌ فِي الثَّوَابِ مِنْ إِصْلَاحِ أَمْوَالِكُمْ.
وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ هَذَا الْتِفَاتٌ مِنْ غَيْبَةٍ إِلَى خِطَابٍ لِأَنَّ قبله و: يسألونك، فَالْوَاوُ ضَمِيرٌ لِلْغَائِبِ، وَحِكْمَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ مَا فِي الْإِقْبَالِ بِالْخِطَابِ عَلَى الْمُخَاطَبِ لِيَتَهَيَّأَ لِسَمَاعِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ وَقَبُولِهِ وَالتَّحَرُّزِ فِيهِ، فَالْوَاوُ ضَمِيرُ الْكُفَلَاءِ، وَهُمْ ضَمِيرُ الْيَتَامَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْظُرُوا لَهُمْ كَمَا تَنْظُرُونَ لِإِخْوَانِكُمْ مِنَ النَّسَبِ مِنَ الشَّفَقَةِ وَالتَّلَطُّفِ وَالْإِصْلَاحِ لِذَوَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.
وَالْمُخَالَطَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْخَلْطِ وَهُوَ الِامْتِزَاجُ، وَالْمَعْنَى: فِي الْمَأْكَلِ، فَتُجْعَلُ نَفَقَةُ الْيَتِيمِ مَعَ نَفَقَةِ عِيَالِهِ بِالتَّحَرِّي، إِذْ يَشُقُّ عَلَيْهِ إِفْرَادُهُ وَحْدَهُ بِطَعَامِهِ، فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ خَلْطِهِ بِمَالِهِ لِعِيَالِهِ، فَجَاءَتِ الْآيَةُ بِالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، قاله أبو عبيد. أو: الْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْمُتَاجَرَةُ لَهُمْ فِيهَا، فَتَتَنَاوَلُونَ مِنَ الرِّبْحِ مَا يَخْتَصُّ بِكُمْ، وَتَتْرُكُونَ لَهُمْ مَا يَخْتَصُّ بِهِمْ. أَوِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute