وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ، وَالْوُجُوبُ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ، نَاسَبَ وَصْفَهُ تَعَالَى بِالْعِزَّةِ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ، وَهِيَ تُنَاسِبُ التَّكْلِيفَ، وَنَاسَبَ وَصْفَهُ بِالْحِكْمَةِ وَهِيَ إِتْقَانُ الْأَشْيَاءِ وَوَضْعُهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَهِيَ تُنَاسِبُ التَّكْلِيفَ أَيْضًا.
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا
رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ طَلَّقَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ، فَطَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا رَجُلٌ اسْتَبْرَأَ، فَحِينَ طَلَّقَ شَارَفَتِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُقَرِّبُكِ إِلَيَّ وَلَا تَخْلِينَ مِنِّي، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ.
وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ قَبْلَهَا الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ، وَكَانُوا يُطَلِّقُونَ وَيُرَاجِعُونَ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا عَدٍّ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُ: مَرَّتَانِ، فَحَصَرَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ فِي أَنَّهُ مَرَّتَانِ، أَيْ يَمْلِكُ الْمُرَاجَعَةَ إِذَا طَلَّقَهَا، ثُمَّ يَمْلِكُهَا إِذَا طَلَّقَ، ثُمَّ إِذَا طَلَّقَ ثَالِثَةً لَا يَمْلِكُهَا. وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: عدد الطلاق الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ مَرَّتَانِ، وَالثَّالِثَةُ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ.
فَعَلَى هَذَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الطَّلَاقِ لِلْعَهْدِ فِي الطَّلَاقِ السَّابِقِ، وَهُوَ الَّذِي تَثْبُتُ مَعَهُ الرَّجْعَةُ، وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ، وَقَتَادَةُ، وَقِيلَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ الْمَنْدُوبِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِذَلِكَ تَفْرِيقُ الطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ مَرَّتَيْنِ مَعًا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: طَلَّقَهَا مَرَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ دِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى يُفَرِّقَ الدَّفْعَ، فَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ. هَكَذَا بَحَثُوهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ بَحْثٌ صَحِيحٌ.
وَمَا زَالَ يَخْتَلِجُ فِي خَاطِرِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ لِلطَّلَاقِ، وَيَقْتَضِي الْعَدَدَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ عَامِلٌ فِيهِ يَتَكَرَّرُ وُجُودًا، كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ ضَرْبَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ مُبَيِّنٌ لِعَدَدِ الْفِعْلِ، فَمَتَى لَمْ يَتَكَرَّرْ وُجُودًا اسْتَحَالَ أَنْ يُكَرِّرَ مَصْدَرَهُ وَأَنْ يُبَيِّنَ رُتَبَ الْعَدَدِ، فَإِذَا قَالَ:
أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَهَذِهِ لَفْظٌ وَاحِدٌ، وَمَدْلُولُهُ وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَيْنِ، وَنَظِيرُ هَذَا أن ينشىء الْإِنْسَانُ بَيْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ فِي شَيْءٍ ثُمَّ يَقُولُ عِنْدَ التَّخَاطُبِ:
بِعْتُكَ هَذَا ثَلَاثًا، فَقَوْلُهُ ثَلَاثًا لَغْوٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْإِنْشَاءَاتُ أَيْضًا يَسْتَحِيلُ التَّكْرَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute