فِيهَا حَتَّى يَصِيرَ الْمُجْمَلُ قَابِلًا لِذَلِكَ الْإِنْشَاءِ، وَهَذَا يَعْسُرُ إِدْرَاكُهُ عَلَى مَنِ اعْتَادَ أَنَّهُ يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
قَالُوا: وَتَشْتَمِلُ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَحْكَامٍ.
مِنْهَا أَنَّ مَسْنُونَ الطَّلَاقِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَعْدَادِ الثَّلَاثِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَأَنَّ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ مُطَلِّقًا لِغَيْرِ السُّنَّةِ.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ مَعَ الرَّجْعَةِ، وأنه إذا طلق اثنتين فِي الْحَيْضِ وَقَعَتَا، وَإِنْ نُسِخَ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ.
وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِلْوَقْتِ الْمَسْنُونِ فِيهِ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَكَانِ ذِكْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَسَّمُوا هَذَا الطَّلَاقَ إِلَى: وَاجِبٍ، وَمَحْظُورٍ، وَمَسْنُونٍ، وَمَكْرُوهٍ، وَمُبَاحٍ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ، فَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ فَيَدْخُلُ فِي الطَّلَاقِ: الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا سَوَاءً، وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ اتِّفَاقَ السَّلَفِ وَفُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ الْمَمْلُوكَيْنِ يَنْفَصِلَانِ بِالثِّنْتَيْنِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَهُمَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ أَمْرَ الْعَبْدِ فِي الطَّلَاقِ إِلَى الْمَوْلَى.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا، فَقِيلَ: الطَّلَاقُ بِالنِّسَاءِ، فَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً تَحْتَ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ فَطَلَاقُهَا ثَلَاثٌ، أَوْ أَمَةً تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَطَلَاقُهُمَا ثِنْتَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ.
وَقِيلَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، فَلَوْ كَانَتْ أَمَةً تَحْتَ حُرٍّ فَطَلَاقُهَا ثَلَاثٌ، أَوْ حُرَّةً تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَاقُهَا ثِنْتَانِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ.
وَالطَّلَاقُ مَصْدَرُ طُلِّقَتِ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ. كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَمَرَّتَانِ خَبَرُهُ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: عدد الطلاق الْمَشْرُوعِ فِيهِ الرَّجْعَةُ، أَوِ الطَّلَاقُ الشَّرْعِيُّ الْمَسْنُونُ مَرَّتَانِ، وَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ حَتَّى يَكُونَ الْخَبَرُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، وَ: مَرَّتَانِ، تَثْنِيَةً حَقِيقَةً، لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ أَوِ الْمَسْنُونَ، عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، عَدَدُهُ هُوَ مَرَّتَانِ عَلَى التَّفْرِيقِ، وَقَدْ بَيَّنَّا كَوْنَهُ يَكُونُ عَلَى التَّفْرِيقِ. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute