للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ، فَذَلِكَ هُوَ الْمُبِيحُ لَكُمُ الْأَخْذَ، وَيَكُونُ حَرْفُ الْعِلَّةِ قَدْ حُذِفَ مَعَ: أَنْ، وَهُوَ جَائِزٌ فَصِيحًا كَثِيرًا، وَلَا يَجِيءُ هُنَا، خِلَافَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، أَنَّهُ إِذَا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مِنْ: أَنْ، هَلْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ؟ بَلْ هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ لَوْ صُرِّحَ بِهِ كَانَ مَنْصُوبًا، وَاصِلًا إِلَيْهِ الْعَامِلُ بِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَدَّرُ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ: أَنْ وَالْفِعْلَ، إِذَا كَانَا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، فَالْمَوْضِعُ نَصْبٌ لَا غَيْرَ، مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ.

وَمَعْنَى الْخَوْفِ هُنَا الْإِيقَانُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، أَوِ: الْعِلْمُ أَيْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَا، قَالَهُ ابْنُ سَلَمَةَ، وَإِيَّاهُ أَرَادَ أَبُو مِحْجَنٍ، بِقَوْلِهِ:

أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقُهَا وَلِذَلِكَ رَفَعَ الْفِعْلَ بَعْدَ: أَنْ، أَوِ: الظَّنُّ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أُبَيٌّ: إِلَّا أَنْ يَظُنَّا، وَأَنْشَدَ:

أَتَانِي كَلَامُ مَنْ نُصِيبُ بِقَوْلِهِ ... وَمَا خِفْتُ يَا سَلَّامَ أَنَّكَ عَايِبِي

وَالْأَوْلَى بَقَاءُ الْخَوْفِ عَلَى بَابِهِ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَذَرُ مِنَ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ. أَوْ يَظُنَّ أَوْ يُوقِنَ أَوْ يَحْذَرَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ، أَنْ لا يقيم حقوق الزوجة لِصَاحِبِهِ حَسْبَمَا يَجِبُ، فَيَجُوزُ الْأَخْذُ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: إِلَّا أن يخافوا أن لَا يُقِيمُوا حُقُوقَ، أَيْ إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ إِذْ لَوْ جَرَى عَلَيْهِ النَّسَقُ الْأَوَّلُ لَكَانَ بِالتَّاءِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضًا: إِلَّا أَنْ تَخَافُوا بِالتَّاءِ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَيَعْقُوبُ، وَيَزِيدُ بن القعقاع إِلَّا أَنْ يُخَافُوا، بِضَمِّ الْيَاءِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ المحذوف: الولاة.

وأن لَا يُقِيمَا، فِي مَوْضِعِ رَفْعِ بَدَلٍ مِنَ الضَّمِيرِ، أَيْ: إلا أن يخاف عدم إقامتهما حدود الله، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، كَمَا تَقُولُ: الزَّيْدَانُ أَعْجَبَانِي حُسْنُهُمَا، وَالْأَصْلُ: إِلَّا أَنْ يَخَافُوا، أَنَّهَا: الْوُلَاةُ، عَدَمَ إِقَامَتِهِمَا حُدُودَ اللَّهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِي قِرَاءَةٍ يُخَافَا بِالضَّمِّ، أَنَّهَا تَعَدَّتْ خَافَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا أُسْنِدَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ، وَالْآخَرُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ بِمَحْذُوفٍ، فَمَوْضِعُ أَنْ خَفْضُ الْجَارِّ الْمُقَدَّرِ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>