للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا بَعْدَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِلْأَزْوَاجِ، لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالْإِيتَاءَ مِنَ الْأَزْوَاجِ حَقِيقَةٌ، فَنُهُوا أَنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِشُحِّ النَّفْسِ وَطَلَبِهَا مَا أَعْطَتْ عِنْدَ الشِّقَاقِ وَالْفِرَاقِ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ لِيَلْتَئِمَ مَعَ قَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمْ لَا لِلْأَزْوَاجِ، وَنَسَبَ الْأَخْذَ وَالْإِيتَاءَ إِلَيْهِمْ عِنْدَ التَّرَافُعِ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْضُونَ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لِلْأَزْوَاجِ أَجَابَ بِأَنَّ الْخِطَابَ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ، فَيُفْرَدُ كُلُّ خِطَابٍ إِلَى مَنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَلَا يُسْتَنْكَرُ مِثْلُ هَذَا، وَيَكُونُ حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِذْ ذَاكَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، ومِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ مَا آتَوْا عَلَى سَبِيلِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ هِبَةٍ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بالصدقات، واللفظ عام، وشَيْئاً إِشَارَةٌ إِلَى خَطَرِ الْأَخْذِ مِنْهُنَّ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وشَيْئاً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَتَعُمُّ، وَ: مِمَّا، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تَأْخُذُوا، أَوْ بِمَحْذُوفٍ فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ نَعْتًا لَهُ.

إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي يَخَافَا وَيُقِيمَا عَائِدٌ عَلَى صِنْفَيِ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ، لِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مُخَاطَبٌ وَغَائِبٌ، وَأُسْنِدَ إِلَيْهِمَا حُكْمٌ كَانَ التَّغْلِيبُ لِلْمُخَاطَبِ، فَتَقُولُ: أَنْتَ وَزَيْدٌ تَخْرُجَانِ، وَلَا يَجُوزُ يَخْرُجَانِ، وَكَذَلِكَ مَعَ التَّكَلُّمِ نَحْوَ: أَنَا وَزَيْدٌ نَخْرُجُ، وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ مُضِيِّ الْجُمْلَةِ لِلْخِطَابِ جَازَ الِالْتِفَاتُ، وَلَوْ جَرَى عَلَى النَّسَقِ الْأَوَّلِ لَكَانَ: إِلَّا أَنْ تَخَافُوا أَنْ لَا تُقِيمُوا، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ إِذْ ذَاكَ عَائِدًا عَلَى الْمُخَاطَبِينَ وَعَلَى أَزْوَاجِهِمْ، وَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَيْ: صِنْفَا الزَّوْجَيْنِ، تَرْكَ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، بِمَا يَحْدُثُ مِنْ بُغْضِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا حَتَّى تَكُونَ شِدَّةُ الْبُغْضِ سَبَبًا لِمُوَاقَعَةِ الْكُفْرِ، كَمَا فِي قِصَّةِ جَمِيلَةَ مَعَ زوجها ثابت، وأَنْ يَخافا قِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، التَّقْدِيرُ: إِلَّا خَائِفِينَ، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْأَحْوَالِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ: أَنْ، مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهَذَا فِي إِجَازَتِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وُقُوعَ الْمَصْدَرِ حَالًا لَا يَنْقَاسُ، فَأَحْرَى مَا وَقَعَ مَوْقِعُهُ، وَهُوَ: أَنْ الفعل، وَيَكْثُرُ الْمَجَازُ فَإِنَّ الْحَالَ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ: أَنْ وَالْفِعْلَ، الْوَاقِعَانِ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ الْوَاقِعِ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ.

وَقَدْ مَنَعَ سِيبَوَيْهِ وُقُوعَ: أَنْ وَالْفِعْلِ، حَالًا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ: هَذَا بَابُ مَا يُخْتَارُ فِيهِ الرَّفْعُ وَيَكُونُ فِيهِ الْوَجْهُ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَفْعُولِ لَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِسَبَبِ خَوْفِ عَدَمِ إِقَامَةِ حُدُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>