وقيل: وَفِي ظَاهِرِهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنَ السُّنَّةِ يَنْزِلُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَلَا اجْتِهَادَ، وَذِكْرُ: النِّعَمِ، لَا يُرَادُ بِهِ سَرْدُهَا عَلَى اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الشُّكْرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْلِمِ النِّعْمَةَ سَبَبٌ لِشُكْرِهَا، فَعَبَّرَ بِالسَّبَبِ عَنِ الْمُسَبَّبِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّعْمَةِ الْمُنْعَمِ بِهِ فَيَكُونُ: عَلَيْكُمْ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كَائِنَةٌ عَلَيْكُمْ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ نِعْمَتَهُ تَعَالَى مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْنَا، قَدِ اسْتَعْلَتْ وَتَجَلَّلَتْ وَصَارَتْ كَالظُّلَّةِ لَنَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ فَيَكُونُ: عَلَيْكُمْ، مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ النِّعْمَةِ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَصْدَرًا مِنْ: أَنْعَمَ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كَنَبَاتٍ مِنْ أنبت.
وعليكم، الثانية متعلقة بأنزل، وَ: مِنْ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: كَائِنًا مِنَ الْكِتَابِ، وَيَكُونُ حَالًا مِنْ مَا أَنْزَلَ أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَوْصُولِ الْمَحْذُوفِ، إِذْ تَقْدِيرُهُ: وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ. وَمَنْ أَثْبَتَ لمن مَعْنَى الْبَيَانِ لِلْجِنْسِ جَوَّزَ ذَلِكَ هُنَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْكُمُ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
يَعِظُكُمْ بِهِ يُذَكِّرُكُمْ بِهِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى: مَا، مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا أَنْزَلَ، وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ فِي: أَنْزَلَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا: أَنْزَلَ، وَجَوَّزُوا فِي: مَا، مِنْ قَوْلِهِ:
وَمَا أَنْزَلَ، أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً. وَ: يَعِظُكُمْ، جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: والمنزل اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ، وَعَطْفُهُ عَلَى النِّعْمَةِ أَظْهَرُ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَمَّا كَانَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ اللَّاتِي هُنَّ مَظِنَّةُ الْإِهْمَالِ وَعَدَمِ الرِّعَايَةِ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْوَى، وَهِيَ الَّتِي بِحُصُولِهَا يَحْصُلُ الْفَلَاحُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُ طَلَبَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَالْمَعْنَى: بِطَلَبِ الْعِلْمِ الدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ، إِذْ هُمْ عَالِمُونَ بِذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ نِيَّاتِكُمْ فِي الْمُضَارَّةِ وَالِاعْتِدَاءِ، فَلَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَكَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَتَيْنِ، فَتَكْرِيرُهُ أَفْخَمُ، وَتَرْدِيدُهُ فِي النُّفُوسِ أَعْظَمُ.
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ مَنَعَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ عَنِ النِّكَاحِ بِغَيْرِهِ إِذَا طَلَّقَهَا، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ابْنَةِ عَمِّ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ رَجْعَتَهَا، فَأَتَى جَابِرٌ وَقَالَ: طَلَّقْتَ ابْنَةَ عَمِّنَا ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَهَا؟ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ زَوْجَهَا، فَنَزَلَتْ. وَقِيلَ: فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute