للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَأُخْتِهِ جُمْلٍ، وَزَوْجِهَا أَبِي الْوَلِيدِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ، جَرَى لَهُمْ مَا جَرَى لِجَابِرٍ فِي قِصَّتِهِ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَعَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُخَاطَبُونَ هُمُ الْأَزْوَاجُ، وَعَلَى هَذَا السَّبَبِ الْأَوْلِيَاءُ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ نِسْبَةَ الطَّلَاقِ إِلَيْهِمْ هُوَ مَجَازٌ بَعِيدٌ، وَهُوَ أن يكون الْأَوْلِيَاءُ قَدْ تَسَبَّبُوا فِي الطَّلَاقِ حَتَّى وَقَعَ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمُ الطَّلَاقُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي: وَإِذا طَلَّقْتُمُ لِلْأَزْوَاجِ وَفِي فَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِتَنَافِي التَّخَاطُبِ، وَلِتَنَافُرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَالْأَوْلَى، وَالَّذِي يُنَاسِبُهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ، أَنَّ الْخِطَابَ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِلْأَزْوَاجِ، لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْ أَوَّلِ الْآيَاتِ هُوَ مَعَ الْأَزْوَاجِ وَلَمْ يَجْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْرٌ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ قَبْلَ هَذِهِ خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ فِي كَيْفِيَّةِ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيَكُونُ الْأَزْوَاجُ الْمُطَلِّقُونَ قَدِ انْتَهَوْا عَنِ الْعَضْلِ، إِذْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَقَهْرًا وَحَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ يَتَزَوَّجْنَ مَنْ شِئْنَ مِنَ الْأَزْوَاجِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى: أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ أَيْ: مَنْ يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَهُ، فَسُمُّوا أَزْوَاجًا بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُونَ إِلَيْهِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْلِيَاءِ يَكُونُ أَزْوَاجُهُنَّ هُمُ الْمُطَلِّقُونَ، سُمُّوا أَزْوَاجًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَزْوَاجًا حَقِيقَةً.

وَجِهَاتُ الْعَضْلِ مِنَ الزَّوْجِ مُتَعَدِّدَةٌ: بِأَنْ يَجْحَدَ الطَّلَاقَ، أَوْ يَدَّعِيَ رَجْعَةً فِي الْعِدَّةِ، أَوْ يَتَوَعَّدَ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا، أَوْ يُسِيءَ الْقَوْلَ فِيهَا لِيُنَفِّرَ النَّاسَ عَنْهَا، فَنُهُوا عَنِ الْعَضْلِ مُطْلَقًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْ غَيْرِهِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّاسِ، أَيْ: لَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَكُمْ عَضْلٌ، لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ رَاضُونَ كَانُوا فِي حُكْمِ الْعَاضِلِينَ وَصَدَّرَ بِمَا يُقَارِبُ هَذَا الْمَعْنَى كَلَامَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، فَقَالَ: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمُ الْأَزْوَاجُ، وَمِنْهُمُ الْأَوْلِيَاءُ، لِأَنَّهُمُ الْمُرَادُ فِي تَعْضُلُوهُنَّ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَؤُولُ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي: طلقتم، للأزواج، وفي: فلا تَعْضُلُوهُنَّ، لِلْأَوْلِيَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنَ التَّنَافُرِ.

أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ بَدَلِ اشْتِمَالٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ أَنْ يَنْكِحْنَ، وَيَنْكِحْنَ مُضَارِعُ نَكَحَ الثُّلَاثِيِّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>