للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِشَامٌ إِلَى أَنَّ مَفْعُولَ الْفِعْلِ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ مُسْتَتِرٌ فِي الْفِعْلِ، وَإِبْهَامُهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنْ مَصْدَرٍ، أَوْ ظَرْفِ زَمَانٍ، أَوْ ظَرْفِ مَكَانٍ، وَلَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَرْفُوعَ الْفِعْلِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: سَيْرٌ هُوَ، يُرِيدُ: أَيْ سَيْرُ السَّيْرِ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْفِعْلِ، وَهَذَا سَائِغٌ عِنْدَ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ، وَمَمْنُوعٌ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْبَصْرِيِّينَ، وَالنَّظَرُ في الدلائل هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالًا يُذْكَرُ فِي عَالَمِ النَّحْوِ.

وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ كُبَرَائِنَا، فَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى ب (الشرح لِجُمَلِ الزَّجَّاجِيِّ) أَنَّ النَّحْوِيِّينَ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِقَامَةِ الْمَجْرُورِ مَقَامَ الْفَاعِلِ إِلَّا السُّهَيْلِيُّ، فَإِنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، إِذْ قَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَالْكِسَائِيِّ، وَهِشَامٍ. وَالتَّفْصِيلَ فِي الْمَجْرُورِ. وَمِمَّنْ تَبِعَ السُّهَيْلِيَّ عَلَى قَوْلِهِ: تِلْمِيذُهُ أَبُو عَلِيٍّ الزَّيْدِيُّ شَارِحُ (الْجُمَلِ) .

وَ: الْمَوْلُودِ لَهُ، هُوَ الْوَالِدُ، وَهُوَ الْأَبُ، وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْوَالِدِ، وَلَا بِلَفْظِ الْأَبِ، بَلْ جَاءَ بِلَفْظِ: الْمَوْلُودِ لَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ إِعْلَامِ الْأَبِ مَا مَنَحَ اللَّهُ لَهُ وَأَعْطَاهُ، إِذِ اللَّامُ فِي:

لَهُ، مَعْنَاهَا شِبْهُ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً «١» وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي اللَّامِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلِذَلِكَ يَتَصَرَّفُ الْوَالِدُ فِي وَلَدِهِ بِمَا يَخْتَارُ، وَتَجِدُ الْوَلَدَ فِي الْغَالِبِ مُطِيعًا لِأَبِيهِ، مُمْتَثِلًا مَا أَمَرَ بِهِ، مُنَفِّذًا مَا أَوْصَى بِهِ، فَالْأَوْلَادُ فِي الْحَقِيقَةِ هُمْ لِلْآبَاءِ، وَيَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ، كَمَا أَنْشَدَ الْمَأْمُونُ بْنُ الرَّشِيدِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ جَارِيَةً طَبَّاخَةً تُدْعَى مَرَاجِلُ، قَالَ:

فَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْأَبْنَاءِ آبَاءُ

فَلَمَّا كَانَ لَفْظُ: الْمَوْلُودِ، مُشْعِرًا بِالْمِنْحَةِ وَشِبْهِ التَّمْلِيكِ، أَتَى بِهِ دون لفظ: الوالد، وَلَفْظِ:

الْأَبِ، وَحَيْثُ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْمَعْنَى أَتَى بِلَفْظِ الْوَالِدِ وَلَفْظِ الْأَبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ «٢» وَقَالَ: لَا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ «٣» .

وَلَطِيفَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كُلِّفَ بِمُؤَنِ الْمُرْضِعَةِ لِوَلَدِهِ مِنَ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ، نَاسَبَ أَنْ يُسَلَّى بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ هُوَ وَلَدٌ لَكَ لَا لِأُمِّهِ، وَأَنَّكَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ فِي التَّنَاصُرِ وَتَكْثِيرِ الْعَشِيرَةِ، وَأَنَّ لَكَ عَلَيْهِ الطَّوَاعِيَةَ كَمَا كَانَ عَلَيْكَ لِأَجْلِهِ كُلْفَةُ الرِّزْقِ، والكسوة لمرضعته.


(١) سورة النحل: ١٦/ ٧٢.
(٢) سورة لقمان: ٣١/ ٣٣. [.....]
(٣) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>