للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَسَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ هُنَا، الرِّزْقَ، بِأَنَّهُ الطَّعَامُ الْكَافِي، فَجَعَلَهُ اسْمًا لِلْمَرْزُوقِ. كَالطَّحْنِ وَالرَّعْيِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْزُقُوهُنَّ وَيَكْسُوهُنَّ، فشرح الرزق: بأن وَالْفِعْلِ اللَّذَيْنِ يَنْسَبِكُ مِنْهُمَا الْمَصْدَرُ، وَيَحْتَمِلُ الرِّزْقُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ إِرَادَةِ الْمَرْزُوقِ، وَإِرَادَةِ الْمَصْدَرِ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ: رِزْقًا بِكَسْرِ الرَّاءِ، حُكِيَ مَصْدَرًا، كَرَزْقٍ بِفَتْحِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ جَعَلَهُ مَصْدَرًا أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِي قَوْلِهِ: مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً «١» وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ الطَّرَاوَةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمَعْنَى: بِالْمَعْرُوفِ، مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكُسْوَةٍ لِمِثْلِهَا، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ إِكْثَارٌ وَلَا إِقْلَالٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِالْمَعْرُوفِ، يَجْمَعُ جِنْسَ الْقَدْرِ فِي الطَّعَامِ، وَجَوْدَةَ الِاقْتِضَاءِ لَهُ، وَحُسْنَ الِاقْتِضَاءِ مِنَ الْمَرْأَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَلَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الِاقْتِضَاءِ مِنَ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ من الرزق والكسوة، فبالمعروف، يتعلق برزقهن أو بكسوتهن عَلَى الْإِعْمَالِ، إِمَّا لِلْأَوَّلِ وَإِمَّا لِلثَّانِي إِنْ كَانَا مَصْدَرَيْنِ، وَإِنْ عَنَى بِهِمَا الْمَرْزُوقَ، وَالشَّأْنَ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ.

التَّقْدِيرُ: إِيصَالٌ أَوْ دَفْعٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى، وَيَكُونُ: بِالْمَعْرُوفِ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْهُمَا، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي: عَلَى.

وَقَرَأَ طَلْحَةُ: وَكِسْوَتُهُنَّ، بِضَمِّ الْكَافِ، وَهُمَا لُغَتَانِ يُقَالُ: كُسْوَةً وَكِسْوَةً، بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا.

لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها التَّكْلِيفُ إِلْزَامُ مَا يُؤْثَرُ فِي الْكُلْفَةِ، مِنْ: كَلِفَ الْوَجْهُ، وَكَلِفَ الْعِشْقُ، لِتَأْثِيرِهِمَا وُسْعَهَا طَاقَتَهَا وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ الْآيَةَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها الْعُمُومُ فِي سَائِرِ التَّكَالِيفِ، قِيلَ: وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّ وَالِدَ الصَّبِيِّ لَا يُكَلَّفُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمِّهِ، إِلَّا بِمَا تَتَّسِعُ بِهِ قُدْرَتُهُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تُكَلَّفُ الْمَرْأَةُ الصَّبْرَ عَلَى التَّقْصِيرِ فِي الْأُجْرَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ الزَّوْجُ مَا هُوَ إِسْرَافٌ، بَلْ يُرَاعَى الْقَصْدُ.

وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ: لَا تَكَلَّفُ، بِفَتْحِ التَّاءِ، أَيْ: لَا تَتَكَلَّفُ، وَارْتَفَعَ نَفْسٌ على


(١) سورة النحل: ١٦/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>