كَمَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَكُونُ ارْتِفَاعُ: والدة ومولود، عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ إِنْ قُدِّرَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَعَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ إِنْ قُدِّرَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، فَإِذَا قَدَّرْنَاهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَا تُضَارِرْ وَالِدَةٌ زَوْجَهَا بِأَنْ تُطَالِبَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ رِزْقٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ، وَلَا يُضَارِرْ مَوْلُودٌ لَهُ زَوْجَتَهُ بِمَنْعِهَا مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ رِزْقٍ وَكِسْوَةٍ، وَأَخْذِ وَلَدِهَا مَعَ إِيثَارِهَا إِرْضَاعَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ.
وَالْبَاءُ فِي: بِوَلَدِهَا، وَفِي: بِوَلَدِهِ، بَاءُ السَّبَبِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُضَارَّ بِمَعْنَى: تَضُرُّ، وَأَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مِنْ صِلَتِهِ لَا تَضُرُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، فَلَا تُسِيءُ غِذَاءَهُ وَتَعَهُّدَهُ، وَلَا تُفَرِّطُ فِيمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَلَا تَدْفَعُهُ إلى الأب بعد ما آلَفَهَا، وَلَا يَضُرُّ الْوَالِدُ بِهِ بِأَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهَا، أَوْ يُقَصِّرَ فِي حَقِّهَا، فَتُقَصِّرَ هِيَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مِنْ صِلَتِهِ، يَعْنِي مُتَعَلِّقَةً بِتُضَارَّ، وَيَكُونُ ضَارَّ بِمَعْنَى أَضَرَّ، فَاعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ، نَحْوَ: بَاعَدْتُهُ وَأَبْعَدْتُهُ، وَضَاعَفْتُهُ وَأَضْعَفْتُهُ، وَكَوْنُ فَاعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ هُوَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَ لَهَا فَاعَلَ، تَقُولُ: أَضَرَّ بِفُلَانٍ الْجُوعُ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْمَفْعُولُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَلَا يَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا، بِخِلَافِ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِ، فَيَكُونَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا كَمَا قَدَّرْنَاهُ.
قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضِّرَارُ رَاجِعًا إِلَى الصَّبِيِّ، أَيْ: لَا يُضَارُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّبِيَّ، فَلَا يُتْرَكُ رَضَاعُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْأَبُ أَوْ يَنْزِعُهُ مِنْ أُمِّهِ حَتَّى يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ، وَتَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً مَعْنَاهُ: لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ وَلَدَهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ وَلَدَهُ انْتَهَى. فَيَكُونُ:
ضَارَّ، بِمَعْنَى: ضَرَّ، فَيَكُونُ مِمَّا وَافَقَ فِيهِ فَاعَلَ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ الَّذِي هُوَ: ضَرَّ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ:
جَاوَزْتُ الشَّيْءَ وَجُزْتُهُ، وَوَاعَدْتُهُ وَوَعَدْتُهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي جَاءَ لَهَا فَاعَلَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قراءة من قرأ لا تُضَارِرْ، بِرَاءَيْنِ، الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ فِي الْإِدْغَامِ أَنَّ الْفِعْلَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْبَاءِ لِلسَّبَبِ، وَامْتَنَعَ تَوْجِيهُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ: ضَارَّ بِهِ فِي مَعْنَى: أَضَرَّ بِهِ، وَالتَّوْجِيهُ الْآخَرُ أَنَّ: ضَارَّ بِهِ بِمَعْنَى: ضَرَّهُ، وَتَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً، وَلَا تَنْقَاسُ زِيَادَتُهَا فِي الْمَفْعُولِ، مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute