للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِطَلَبِ الِاسْتِعْطَافِ وَالْإِشْفَاقِ. وَقَدَّمَ ذِكْرَ عَدَمِ مُضَارَّةِ الْوَالِدَةِ عَلَى عَدَمِ مُضَارَّةِ الْوَالِدِ مُرَاعَاةً لِلْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، إِذْ بدىء فِيهِمَا بِحُكْمِ الْوَالِدَاتِ، وَثَنَّى بِحُكْمِ الْوَالِدِ فِي قَوْلِهِ: لَا تُضَارَّ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مُؤَنَّثٌ وَمُذَكَّرٌ مَعْطُوفَانِ، فَالْحُكْمُ فِي الْفِعْلِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ وَهِنْدٌ وَقَامَتْ هِنْدٌ وَزَيْدٌ، وَيَقُومُ زَيْدٌ وَهِنْدٌ، وَتَقُومُ هِنْدٌ وَزَيْدٌ، إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُؤَنَّثُ مَجَازِيًّا بِغَيْرِ عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ فِيهِ فَيَحْسُنُ عَدَمُ إِلْحَاقِ الْعَلَامَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ «١» .

وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وَالْجُمْلَتَانِ قَبْلَ هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: بِالْمَعْرُوفِ، اعْتِرَاضٌ بِهِمَا بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ.

وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ: وَعَلَى الْوَرَثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، بِالْجَمْعِ.

وَالظَّاهِرُ فِي الْوَارِثِ أَنَّهُ وَارِثُ الْمَوْلُودِ لَهُ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَوْلُودَ لَهُ وَهُوَ الْأَبُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ فِي جُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمَوْلُودُ لَهُ وَجَبَ عَلَى وَارِثِهِ ما وجب عليه من رِزْقِ الْوَالِدَاتِ، وَكِسْوَتِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَجَنُّبِ الضِّرَارِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ: وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ يَرِثُ مِنَ الرِّجَالِ يَلْزَمُهُ الْإِرْضَاعُ كَمَا كَانَ يَلْزَمُ أَبَا الصَّبِيِّ. لَوْ كَانَ حَيًّا، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْوَارِثُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِ الْمَوْلُودِ بَعْدَ وَفَاةِ الْآخَرِ مِنْهُمَا، وَيَرَى مَعَ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْوَالِدَةُ هِيَ الْبَاقِيَةُ أَنْ يُشَارِكَهَا الْعَاصِبُ إِرْضَاعَ الْمَوْلُودِ عَلَى قَدْرِ حَظِّهِ مِنَ الْمِيرَاثِ، كَمَا

قَالَ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» .

وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَبَشِيرُ بْنُ نَصْرٍ، قَاضِي عمر بن عبد العزيز الْوَارِثُ هُوَ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ، أَيْ: عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِذَا وَرِثَ أَبَاهُ إِرْضَاعَ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

الْوَارِثُ الْوَلَدُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ، ذَكَرَهُ السَّجَاوَنْدِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ.

فَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَكُونُ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الْوارِثِ كَأَنَّهَا نَابَتْ عَنِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى: الْمَوْلُودِ لَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَعَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ لَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ أَيْضًا، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ فِي آخَرِينَ: الْوَارِثُ وَارِثُ الْمَوْلُودِ.


(١) سورة القيامة: ٧٥/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>