وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ حُصُولُ مُطْلَقِ الْخَوْفِ، وَأَنَّهُ بِمُطْلَقِ الْخَوْفِ تُبَاحُ الصَّلَاةُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.
وَقَالُوا: هِيَ صَلَاةُ الْغَدَاةِ لِلَّذِي قَدْ ضَايَقَهُ الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالَةِ الْمُسَايَفَةِ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْخَوْفِ بِالْإِمَامِ، وَانْقِسَامِ النَّاسِ فَلَيْسَ حُكْمُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَقِيلَ: فَرِجَالًا، مُشَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمْ يَمْشُونَ إِلَى الْعَدُوِّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، أَوْ رُكْبَانًا أَيْ: وِجْدَانًا بِالْإِيمَاءِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَرِجَالًا، أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ مَاشُونَ، فَيُصَلُّونَ عَلَى كل حال، والراكب يومىء وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّوَجُّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
لَا يُصَلُّونَ فِي حَالِ الْمَشْيِ وَالْمُسَايَفَةِ مَا لَمْ يُمْكِنِ الْوُقُوفُ.
وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي هَذَا الْخَوْفِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ عَنْ عَدَدِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِنْ كَانُوا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: تُصَلَّى رَكْعَةً إِيمَاءً. وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: تُصَلَّى فِي الْمُسَايَفَةِ وَغَيْرِهَا رَكْعَةً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيُكَبِّرْ تَكْبِيرَتَيْنِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفٍة: يُعِيدُونَ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ: أَنَّهُ مَتَى عَرَضَ لَهُ الْخَوْفُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، فَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً آمِنًا ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الْخَوْفُ رَكِبَ وَبَنَى، أَوْ عَكْسُهُ: أَتَمَّ وَبَنَى، عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا اسْتَفْتَحَ آمِنًا ثُمَّ خَافَ، اسْتَقْبَلَ وَلَمْ يَبْنِ فَإِنْ صَلَّى خَائِفًا ثُمَّ أَمِنَ بَنَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْنِي فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وتأكيد طلبها إذا لَمْ تَسْقُطْ بِالْخَوْفِ، فَلَا تَسْقُطُ بِغَيْرِهِ مِنْ مَرَضٍ وَشُغْلٍ وَنَحْوِهِ، حَتَّى الْمَرِيضُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهَا لَزِمَهُ الْإِشَارَةُ بِالْعَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبِهَذَا تَمَيَّزَتْ عَنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ وَيُتَرَخَّصُ فِيهَا.
فَإِذا أَمِنْتُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ أَيْ: خَرَجْتُمْ مِنَ السَّفَرِ إِلَى دَارِ الْإِقَامَةِ، وَرَدَّهُ الطَّبَرِيُّ، قِيلَ: وَلَا يَنْبَغِي رَدُّهُ لِأَنَّهُ شَرَحَ الْأَمْنَ بِمَحَلِّ الْأَمْنِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ وَحَلَّ دَارَ