إِقَامَتِهِ أَمِنَ، فَكَانَ السَّفَرُ مَظِنَّةَ الْخَوْفِ، كَمَا أَنَّ دَارَ الْإِقَامَةِ مَحَلُّ الْأَمْنِ. وَقِيلَ: مَعْنَى فَإِذَا أَمِنْتُمْ أَيْ: زَالَ خَوْفُكُمُ الَّذِي أَلْجَأَكُمْ إِلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: فَإِذَا كُنْتُمْ آمِنِينَ، أَيْ: مَتَى كُنْتُمْ عَلَى أَمْنٍ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ..
فَاذْكُرُوا اللَّهَ بِالشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ كَما عَلَّمَكُمْ أَيْ: أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ بِتَعْلِيمِكُمْ مَا كُنْتُمْ جَاهِلِيهِ مِنْ أَمْرِ الشَّرَائِعِ، وَكَيْفَ تُصَلُّونَ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَحَالِ الْأَمْنِ.
وَ: مَا، مَصْدَرِيَّةٌ، وَ: الْكَافُ، لِلتَّشْبِيهِ.
أَمَرَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرًا يُعَادِلُ وَيُوَازِي نِعْمَةَ مَا عَلَّمَهُمْ، بِحَيْثُ يَجْتَهِدُ الذَّاكِرُ فِي تَشْبِيهِ ذِكْرِهِ بِالنِّعْمَةِ فِي الْقَدْرِ وَالْكَفَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بُلُوغِ ذَلِكَ.
وَمَعْنَى: كَمَا عَلَّمَكُمْ، كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ فَعَلَّمَكُمْ، فَعَبَّرَ بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، لِأَنَّ التعليم ناشىء عَنْ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ وَإِحْسَانِهِ لَهُ.
وَقَدْ تَكُونُ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ لِأَجْلِ تَعْلِيمِهِ إِيَّاكُمْ أَيْ: يَكُونُ الْحَامِلُ لَكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ تَعْلِيمُهُ إِيَّاكُمْ، لِأَنَّهُ لَا مِنْحَةَ أَعْظَمُ مِنْ مِنْحَةِ الْعِلْمِ.
مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مَا: مَفْعُولٌ ثَانٍ لِعَلَّمَكُمْ، وَفِيهِ الِامْتِنَانُ بِالتَّعْلِيمِ عَلَى الْعَبْدِ، وَفِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ إِفْهَامُ أَنَّكُمْ عُلِّمْتُمْ شَيْئًا لَمْ تَكُونُوا لِتَصِلُوا لِإِدْرَاكِهِ بِعُقُولِكُمْ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّمَكُمُوهُ، أَيْ: أَنَّكُمْ لَوْ تُرِكْتُمْ دُونَ تَعْلِيمٍ لَمْ تَكُونُوا لِتَعْلَمُوهُ أَبَدًا.
وَحَكَى النَّقَّاشُ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ أَيْ صَلُّوا الصَّلَاةَ الَّتِي قَدْ عُلِّمْتُمُوهَا، أَيْ: صَلَاةً تَامَّةً بِجَمِيعِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَتَكُونُ: مَا، فِي: كَما عَلَّمَكُمْ مَوْصُولَةً أَيْ: فَصَلُّوا الصَّلَاةَ كَالصَّلَاةِ الَّتِي عَلَّمَكُمْ، وَعَبَّرَ بِالذِّكْرِ عَنِ الصَّلَاةِ وَالْكَافُ إِذْ ذَاكَ لِلتَّشْبِيهِ بَيْنَ هَيْئَتَيِ الصَّلَاتَيْنِ: الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ أَوَّلًا قَبْلَ الْخَوْفِ، وَالصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ الْخَوْفِ فِي حَالَةِ الْأَمْنِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: مَا لَمْ تَكُونُوا بَدَلٌ مِنْ: مَا، الَّتِي فِي قَوْلِهِ:
كَمَا، وَإِلَّا لَمْ يَتَّسِقْ لَفْظُ الْآيَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ تَخْرِيجٌ يُمْكِنُ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ فِي عَلَّمَكُمْ الْعَائِدِ عَلَى مَا، إِذِ التَّقْدِيرُ عَلَّمَكُمُوهُ، أَيْ: عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.
وَقَدْ أَجَازَ النَّحْوِيُّونَ: جَاءَنِي الَّذِي ضَرَبْتُ أَخَاكَ، أَيْ ضَرَبْتُهُ أَخَاكَ، عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ المحذوف