للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّمْتِيعِ الْمَذْكُورِ، أَوْ أَخْرَجَهُنَّ وَهُنَّ لَا يَخْتَرْنَ الْخُرُوجَ، وَمُشْعِرٌ بِالْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: حَكِيمٌ، إِظْهَارُ أَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْإِتْقَانِ، وَوَضْعِ الْأَشْيَاءِ مَوَاضِعَهَا.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ زَالَ حُكْمُهُ بِالنَّسْخِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِلَّا مَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ عَلَى الطَّبَرِيِّ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْآيَةِ مَا نُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ فِي ذَلِكَ.

وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَتِّعُوهُنَّ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُخَصَّصُ بِهِ الْعُمُومُ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَتَعَلَّقَ: بِالْمَعْرُوفِ، بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ لِلْمُطَلَّقَاتِ، وقيل بقوله: متاع، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ هُنَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ.

حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُؤَكِّدَةً لِأَمْرِ الْمُتْعَةِ، لِأَنَّهُ نَزَلَ قَبْلُ: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ «١» فَقَالَ رَجُلٌ: فَإِنْ لَمْ أُرِدْ أَنْ أُحْسِنَ لَمْ أُمَتِّعْ، فَنَزَلَتْ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.

وَإِعْرَابُ: حَقًّا، هُنَا كَإِعْرَابِ: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَظَاهِرُ: الْمُتَّقِينَ: مَنْ يَتَّصِفُ بِالتَّقْوَى الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنَ اتِّقَاءِ الشِّرْكِ، وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ وُقُوفًا وَاللَّهُ أَسْرَعَهُمْ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمُتَّقِينَ أَيْ: مُتَّقِيِ الشِّرْكِ.

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ أَيْ مِثْلَ هَذَا التَّبْيِينِ الَّذِي سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ، يُبَيِّنُ لَكُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا بَقِيَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُكَلَّفُهَا الْعِبَادُ.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ مَا يُرَادُ مِنْكُمْ مِنَ الْتِزَامِ الشَّرَائِعِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا، لِأَنَّ التَّبْيِينَ لِلْأَشْيَاءِ مِمَّا يَتَّضِحُ لِلْعَقْلِ بِأَوَّلِ إِدْرَاكٍ، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّبَاتِ وَالْمُجْمَلَاتِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ يَرْتَبِكُ فِيهَا، وَلَا يَكَادُ يَحْصُلُ مِنْهَا عَلَى طَائِلٍ.

قِيلَ: وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ بَدَائِعِ الْبَدِيعِ، وَصُنُوفِ الْفَصَاحَةِ: النقل من صيغة:


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>