وفي: لَا يَشْكُرُونَهُ، وَفِي قَوْلِهِ: سَمِيعٌ لِأَقْوَالِكُمْ عَلِيمٌ بِأَعْمَالِكُمْ، وَفِي قَوْلِهِ: تُرْجَعُونَ، فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا عَمِلَ. وَالطِّبَاقَ فِي قَوْلِهِ: مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، وَفِي: يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَالتَّكْرَارَ فِي: عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وَالِالْتِفَاتَ فِي: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالتَّشْبِيهَ بِغَيْرِ أَدَاتِهِ فِي: قَرْضًا حَسَنًا، شَبَّهَ قَبُولَهُ تَعَالَى إِنْفَاقَ الْعَبْدِ فِي سَبِيلِهِ وَمُجَازَاتِهِ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ الْحَقِيقِيِّ، فَأَطْلَقَ اسْمَ الْقَرْضِ عَلَيْهِ، وَالِاخْتِصَاصَ بِوَصْفِهِ بِقَوْلِهِ: حَسَنًا وَالتَّجْنِيسَ الْمُغَايِرَ فِي قَوْلِهِ: فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قِصَّةَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ حَذَرَ الْمَوْتِ، إِمَّا بِالْقِتَالِ أَوْ بِالطَّاعُونِ، عَلَى سَبِيلِ التَّشْجِيعِ وَالتَّثْبِيتِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ: لَا يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، أَرْدَفَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِتَالَ كَانَ مَطْلُوبًا مَشْرُوعًا فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، فَلَيْسَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي خُصِصْتُمْ بِهَا، لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَانَتِ النَّفْسُ أَمْيَلَ لِقَبُولِهِ مِنَ التَّكْلِيفِ الَّذِي يَكُونُ يَقَعُ بِهِ الِانْفِرَادُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَالْمَلَأُ هُنَا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
جَمِيعُ الْقَوْمِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ وَضْعِ اللَّفْظَةِ. وَتُسَمَّى الْأَشْرَافُ الْمَلَأَ تَشْبِيهًا. انْتَهَى. يَعْنِي: وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَشْبِيهًا بِجَمِيعِ الْقَوْمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَلَأِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ.
مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: كَائِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ هُوَ صِلَةٌ لِلْمَلَأِ، لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا، كَمَا زَعَمُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيَتُ أَكْرَمُ أَهْلِهِ فَأَكْرَمُ عِنْدَهُمْ صِلَةٌ لِلْبَيْتِ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ، كَذَلِكَ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْعَامِلُ فِيهِ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ.
مِنْ بَعْدِ مُوسى مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ: مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ هُوَ كَائِنِينَ، وَتَعَدَّى إِلَى حَرْفَيْ جَرٍّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ لاختلاف المعنى فمن، الْأُولَى تَبْعِيضِيَّةٌ وَ: مِنْ، الثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، إِذِ الْعَامِلُ فِي هَذَا الظَّرْفِ، قَالُوا: تَرَ، وَقَالُوا: هُوَ بَدَلٌ مِنْ: بَعْدِ، لِأَنَّهُمَا زَمَانَانِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute