للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ أَلَمْ تَرَ تَقْرِيرٌ، وَالْمَعْنَى: قَدِ انْتَهَى عِلْمُكَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ نَظَرْتَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالُوا، وَلَيْسَ انْتِهَاءُ عِلْمِهِ إِلَيْهِمْ، وَلَا نَظَرُهُ إِلَيْهِمْ كَانَ فِي وَقْتِ قَوْلِهِمْ لِنَبِيٍّ لَهُمْ: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا لِلِانْتِهَاءِ، وَلَا لِلنَّظَرِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْمُولًا لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؟ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَبَعِيدٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلًا مِنْ: بَعْدِ، لَكَانَ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَامِلِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ عَلَيْهِ، أَعْنِي: مِنْ، الدَّاخِلَةَ عَلَى: بَعْدِ، لَا تَدْخُلُ عَلَى: إِذْ، لَا تَقُولُ: مِنْ إِذْ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الظُّرُوفُ الَّتِي يَدْخُلُ عَلَيْهَا: مَنْ، كَوَقْتٍ وَحِينٍ، لَمْ يَصِحَّ الْمَعْنَى أَيْضًا، لِأَنَّ: مِنْ، بَعْدِ: مُوسَى، حَالٌ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ. إِذِ الْعَامِلُ فِيهِ: كَائِنِينَ، وَلَوْ قُلْتَ: كَائِنِينَ مِنْ حِينِ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا، لَمَا صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ، فَيُنْظَرُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَحْذُوفٌ بِهِ يَصِحُّ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْعَامِلُ، وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ تَقْدِيرُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى قِصَّةِ الْمَلَأِ، أَوْ: حَدِيثِ الْمَلَأِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. لِأَنَّ الذَّوَاتَ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِمَّا جَرَى لَهُمْ، فَصَارَ الْمَعْنَى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا جَرَى لِلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، إِذْ قَالُوا؟ فَالْعَامِلُ فِي: إِذْ، هُوَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ، وَالْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِهِ، وتعلق قوله: لنبي، بقالوا، وَاللَّامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلتَّبْلِيغِ، وَاسْمُ هَذَا النَّبِيِّ: شَمْوِيلُ بْنُ بَالِي، قَالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَوْ: شَمْعُونُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، أَوْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ اسْمُهُ عِيسَى، وَضَعَّفَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُوشَعُ بِأَنْ يُوشَعَ هُوَ فَتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ دَاوُدَ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ،

وَقَدْ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ وَنَحْنُ نُلَخِّصُهَا فَنَقُولُ: لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعَ يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ، ثُمَّ قُبِضَ فَخَلَفَ حِزْقِيلُ، ثُمَّ قُبِضَ فَفَشَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ، حَتَّى عَبَدُوا الْأَوْثَانَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ الْيَسَعَ، ثُمَّ قُبِضَ، فَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ، وَظَهَرَ لَهُمْ عَدُّوهُمُ الْعَمَالِقَةُ قَوْمُ جَالُوتَ، كَانُوا سُكَّانَ سَاحِلِ بَحْرِ الرُّومِ، بَيْنَ مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ، وَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَغَلَبُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَأَسَرُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ كَثِيرًا، وَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذُوا تَوْرَاتَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ نَبِيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ هَلَكُوا إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا، فَرَزَقَهَا شَمْوِيلَ، فَتَعَلَّمَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَفَلَهُ شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ فَلَمَّا بَلَغَ النُّبُوَّةَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ: يَا شَمْوِيلُ، فَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>