للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ يَكُونُ طَاقَةً مُطَوَّلًا، فيلزم تنوين، واليوم مَنْصُوبٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ لنا وبجالوت: مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ: بِجَالُوتَ، فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ.

قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ عَلَى بَابِهِ، وَمَعْنَى:

مَلَاقُو اللَّهِ، أَيْ يُسْتَشْهَدُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِعَزْمِهِمْ عَلَى صِدْقِ الْقِتَالِ، وَتَصْمِيمِهِمْ عَلَى لِقَاءِ أَعْدَائِهِمْ، كَمَا جَرَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِزَامٍ فِي أُحُدٍ، وَغَيْرِهِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ فِي آخَرِينَ. وَقِيلَ:

مُلَاقُو ثَوَابِ اللَّهِ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ. لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَانًّا، وَقِيلَ: مُلَاقُو طَاعَةِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ أَنَّ عَمَلَهُ هذا طاعة، لِأَنَّهُ رُبَّمَا شَابَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَقِيلَ: مَلَاقُو وَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّصْرِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَهُوَ مَظْنُونٌ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ بِمَعْنَى الْإِيقَانِ: أَيْ: يُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ قَالَهُ السُّدِّيُّ فِي آخَرِينَ.

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. هَذَا الْقَوْلُ تَحْرِيضٌ مِنَ الْعَازِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ وَحَضٌّ عَلَيْهِ، وَاسْتِشْعَارٌ لِلصَّبْرِ وَاقْتِدَاءٌ بِمَنْ صَدَّقَ اللَّهَ. وَالْمَعْنَى: أنا لا نكترث بجالوت وَجُنُودِهِ وَإِنْ كَثُرُوا، فَإِنَّ الْكَثْرَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلِانْتِصَارِ، فَكَثِيرًا مَا انْتَصَرَ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ وَلَمَّا كَانَ قَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي الْأَزْمَانِ الْمَاضِيَةِ. وَعَلِمُوا بِذَلِكَ، أُخْبِرُوا بِصِيغَةِ: كَمْ، الْمُقْتَضِيَةُ للتكثر. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَكَأَيِّنْ، وَهِيَ مُرَادِفَةٌ: لَكُمْ، فِي التَّكْثِيرِ، وَلَمْ يَأْتِ تَمْيِيزُهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مَصْحُوبًا بِمِنْ، وَلَوْ حُذِفَتْ: مِنْ، لَانْجَرَّ تَمْيِيزُ: كَمِ، الْخَبَرِيَّةِ بِالْإِضَافَةِ، وَقِيلَ بِإِضْمَارِ: مِنْ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ حَمْلًا عَلَى: كَمِ، الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، وَانْتَصَبَ تَمْيِيزُ: كَأَيِّنْ، فَتَقُولُ كَأَيِّنْ رَجُلًا جَاءَكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

أَطْرُدُ الْيَأْسَ بِالرَّجَا فَكَأَيِّنْ ... أَمَلًا حُمَّ يُسْرَهُ بَعْدَ عُسْرِ

وَ: كَمْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَ: مِنْ فِئَةٍ، قِيلَ زَائِدَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ زِيَادَتِهَا، وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لكم، وَ: فِئَةٍ، هُنَا مُفْرَدٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: كَثِيرٌ مِنْ فِئَاتٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ. وَقَرَأَ الْأَعْشَى فِيهِ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً، نَحْوَ: مِيرَةٍ فِي: مِئْرَةٍ، وَهُوَ إِبْدَالٌ نَفِيسٌ، وَخَبَرُ: كَمْ، قَوْلُهُ: غَلَبَتْ، وَمَعْنَى: بِإِذْنِ اللَّهِ، بِتَمْكِينِهِ وَتَسْوِيفِهِ الْغَلَبَةَ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ الْجَمْعِ الْقَلِيلِ لِلْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَإِنْ كَانُوا أَضْعَافَ أَضْعَافِهِمْ، إِذَا عَلِمُوا أَنَّ فِي ذَلِكَ نِكَايَةً لَهُمْ، وَأَمَّا جَوَازُ الْفِرَارِ مِنَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ إِذَا زَادُوا عَنْ ضِعْفِهِمْ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>