وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، تَحْرِيضٌ عَلَى الصَّبْرِ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ مَنْ صَبَرَ لِنُصْرَةِ دِينِهِ، يَنْصُرُهُ وَيُعِينُهُ وَيُؤَيِّدُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا مِنَ اللَّهِ، قَالَهُ الْقَفَّالُ.
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ صَارُوا بِالْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ وَاسْتَوَى، وَالْمُبَارَزَةُ فِي الْحَرْبِ أَنْ يَظْهَرَ كُلُّ قَرْنٍ لِصَاحِبِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ قَرْنُهُ، وَكَانَ جُنُودُ طَالُوتَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَقِيلَ: مِائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تِسْعِينَ أَلْفًا.
قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً الصَّبْرُ: هُنَا حَبْسُ النَّفْسِ لِلْقِتَالِ، فَزِعُوا إِلَى الدُّعَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى فَنَادَوْا بِلَفْظِ الرَّبِّ الدَّالِّ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَعَلَى الْمُلْكِ، فَفِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِالْعُبُودِيَّةِ.
وَقَوْلُهُمْ: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا سُؤَالٌ بِأَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِمْ، وَيَكُونَ لَهُمْ كَالظَّرْفِ وَهُمْ كَالْمَظْرُوفِينَ فِيهِ.
وَثَبِّتْ أَقْدامَنا فَلَا تَزَلُّ عَنْ مَدَاحِضِ الْقِتَالِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَشْجِيعِ قُلُوبِهِمْ وَتَقْوِيَتِهَا، وَلَمَّا سَأَلُوا مَا يَكُونُ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّبْرِ سَأَلُوا تَثْبِيتَ أَقْدَامِهِمْ وَإِرْسَاخَهَا.
وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أَيْ: أعنا عليهم، وجاؤا بِالْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِخُذْلَانِ أَعْدَائِهِمْ، وَهُوَ الْكُفْرُ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَفِي قَوْلِهِمْ: رَبَّنَا، إِقْرَارٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَإِقْرَارٌ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ.
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ: فَغَلَبُوهُمْ بِتَمْكِينِ اللَّهِ.
وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قِصَّةِ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ دَاوُدَ لِجَالُوتَ، وَلَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ، وَقَدِ اخْتَصَرَ ذَلِكَ السَّجَاوَنْدِيُّ اخْتِصَارًا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، فَقَالَ: كَانَ أَصْغَرَ بَنِيهِ، يَعْنِي بَنِي إِيشَا، وَالِدِ دَاوُدَ، الثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَكَانَ مُخَلَّفًا فِي الْغَنَمِ، وَأُوحِيَ إِلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّ قَاتِلَ جَالُوتَ مَنِ اسْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِ إِيشَا دِرْعٌ عِنْدَ طَالُوتَ، فَلَمْ تَسْتَوِ إِلَّا عَلَى دَاوُدَ، وَقِيلَ: لَمَّا بَرَزَ جَالُوتُ نَادَى طَالُوتُ: مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ أُشَاطِرُهُ مُلْكِي وَأُزَوِّجُهُ بِنْتِي، فَبَرَزَ دَاوُدُ وَرَمَاهُ بِحَجَرٍ فِي قَذَّافَةٍ فَنَفَذَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ إِلَى قَفَاهُ وَأَصَابَ عَسْكَرَهُ، فَقُتِلَ جَمَاعَةٌ وَانْهَزَمُوا، ثُمَّ نَدِمَ طَالُوتُ مِنْ شَرْطِهِ بَعْدَ الْوَفَاءِ، وَهَمَّ بِقَتْلِ دَاوُدَ، وَمَاتَ تَائِبًا قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ وَهْبٌ: نَدِمَ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَمَاتَ عَاصِيًا، وَقِيلَ: أَصَابَ دَاوُدُ مَوْضِعَ أَنْفِ جَالُوتَ، وَقِيلَ: تَفَتَّتَ الْحَجَرُ حَتَّى أَصَابَ كُلَّ مَنْ فِي الْعَسْكَرِ شَيْءٌ مِنْهُ، كَالْقَبْضَةِ الَّتِي رَمَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute