للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَوْتِهِ، كَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ تَدْنُو الْوُحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا، وَتُظِلُّهُ الطَّيْرُ مُصِيخَةً لَهُ، وَيَرْكُدُ الْمَاءُ الْجَارِي، وَتَسْكُنُ الرِّيحُ، وَمَا صُنِعَتِ الْمَزَامِيرُ وَالصُّنُوجُ إِلَّا عَلَى صَوْتِهِ.

وَقِيلَ: مِمَّا يَشاءُ فِعْلُ الطَّاعَاتِ وَالْأَمْرُ بِهَا، وَاجْتِنَابُ الْمَعَاصِي. وَالضَّمِيرُ الْفَاعِلُ فِي: يَشَاءُ عَائِدٌ عَلَى دَاوُدَ أَيْ: مِمَّا يَشَاءُ دَاوُدُ.

وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ قَرَأَ نَافِعٌ، وَيَعْقُوبُ، وَسَهْلٌ:

وَلَوْلَا دِفَاعُ، وَهُوَ مَصْدَرُ دَفَعَ، نَحْوُ: كَتَبَ كِتَابًا أَوْ مَصْدَرُ دَافَعَ بِمَعْنَى دَفَعَ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

وَلَقَدْ حَرِصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُمْ ... فَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لَا تُدْفَعُ

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: دَفْعُ، مَصْدَرُ دَفَعَ، كَضَرَبَ ضَرْبًا. وَالْمَدْفُوعُ بِهِمْ جُنُودُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَدْفُوعُونَ المشركون، ولفسدت الْأَرْضُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ وَالْمَسَاجِدِ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وجماعة من الْمُفَسِّرِينَ.

أَوِ الْأَبْدَالُ وَهُمْ أَرْبَعُونَ، كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ أَقَامَ اللَّهُ وَاحِدًا بَدَلَ آخَرَ، وَعِنْدَ الْقِيَامَةِ يَمُوتُونَ كُلُّهُمْ: اثْنَانِ وَعِشْرُونَ بِالشَّامِ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِالْعِرَاقِ.

وَرُوِيَ حَدِيثُ الْأَبْدَالِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَرَفَعَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

. أَوْ الْمَذْكُورُونَ

فِي حَدِيثِ: «لَوْلَا عُبَّادٌ رُكَّعٌ، وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لُصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا»

أَوْ: مَنْ يُصَلِّي وَمَنْ يُزَكِّي وَمَنْ يَصُومُ يُدْفَعُ بِهِمْ عَمَّنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَوِ:

الْمُؤْمِنُ يُدْفَعُ بِهِ عَنِ الْكَافِرِ كَمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، أَوِ: الرَّجُلُ الصَّالِحُ يُدْفَعُ بِهِ عَنْ مَا بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَجِيرَانِهِ الْبَلَاءُ، أَوِ: الشُّهُودُ الَّذِينَ يُسْتَخْرَجُ بِهِمُ الْحُقُوقُ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، أَوِ: السُّلْطَانُ، أَوِ: الظَّالِمُ يَدْفَعُ يَدَ الظَّالِمِ، أَوْ: دَاوُدُ دُفِعَ بِهِ عَنْ طالوت ولا ذَلِكَ غَلَبَتِ الْعَمَالِقَةُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونُ: النَّاسُ، عَامًّا وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمَدْفُوعَ بِهِمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كَانَ يُطْبِقُهَا وَيَتَمَادَى فِي جَمِيعِ أَقْطَارِهَا، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لَا يُخَلِّي زَمَانًا مِنْ قَائِمٍ يَقُومُ بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، إِلَى أَنْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بَعْضَ النَّاسِ بِبَعْضٍ، وَيَكُفُّ بِهِمْ فَسَادَهُمْ، لَغَلَبَ الْمُفْسِدُونَ، وَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَبَطَلَتْ مَنَافِعُهَا، وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهَا مِنَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَسَائِرِ مَا يُعَمِّرُ الْأَرْضَ. انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>