للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُدَّ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ وَعِيدٌ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: حَصِّلُوا مَنَافِعَ الْآخِرَةِ حِينَ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّكُمْ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنَ الدُّنْيَا لَا يُمْكِنُكُمْ تَحْصِيلُهَا وَاكْتِسَابُهَا فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ ثَمَّ فِي زِيَادَةِ الْفَضْلِ لَا غَيْرَ، هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ لِلْعُصَاةِ، فَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَلَا لِلْعُصَاةِ الَّذِينَ دَخَلُوا النَّارَ، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ.

وَقِيلَ: المراد منه الإنفاق في الْجِهَادِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَذْكُورٌ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ، فَكَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا مُرَادٌ بِهَا جَمِيعُ وُجُوهِ الْبِرِّ مِنْ سَبِيلِ خَيْرٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَلَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ فِي ذِكْرِ الْقِتَالِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي صُدُورِ الْكَافِرِينَ، يَتَرَجَّحُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا النَّدْبَ إِنَّمَا هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أَيْ: فَكَافِحُوهُمْ بِالْقِتَالِ بِالْأَنْفُسِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَنَدَبَ تَعَالَى الْعَبْدَ إِلَى أَنْ يُنْفِقَ مِمَّا رَزَقَهُ، وَالرِّزْقُ، وَإِنْ تَنَاوَلَ غَيْرَ الْحَلَالِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْحَلَالُ، وَ: مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَنْفِقُوا، وَ: مَا، مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: رَزَقْنَاكُمُوهُ، وَقِيلَ: مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: مِنْ رِزْقِنَا إِيَّاكُمْ، وَ: مِنْ قَبْلُ، مُتَعَلِّقٌ: بأنفقوا، أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِ: مِنْ: فَالْأُولَى: لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّانِيَةُ: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أنها تتعلق: برزقناكم.

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ حَذَّرَ تَعَالَى مِنَ الْإِمْسَاكِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا الْيَوْمَ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

لَا بَيْعٌ فِيهِ أَيْ: لَا فِدْيَةٌ فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَذُكِرَ لَفْظُ الْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُعَاوَضَةِ وَأَخْذِ البدل، وقيل: لا فداء عَمَّا مَنَعْتُمْ مِنَ الزَّكَاةِ تَبْتَاعُونَهُ تُقَدِّمُونَهُ عَنِ الزَّكَاةِ يَوْمَئِذٍ. وَقِيلَ: لَا بَيْعَ فِيهِ لِلْأَعْمَالِ فَتُكْتَسَبُ.

وَلا خُلَّةٌ أَيْ: لَا صَدَاقَةٌ تَقْتَضِي الْمُسَاهَمَةَ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْمُتَّقُونَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خُلَّةٌ، لَكِنْ لَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَخُلَّةُ غَيْرِهِمْ لَا تُغْنِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.

وَلا شَفاعَةٌ اللَّفْظُ عَامٌّ وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ، أَيْ: وَلَا شَفَاعَةٌ لِلْكُفَّارِ، وَقَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>