للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نُمْرُوذَ فِي قَوْلِهِ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رُؤْيَةَ ذَلِكَ، لِمَا فِي مُعَايَنَةِ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَةِ اجْتِمَاعِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَلَاشِيَةِ، وَالْأَعْضَاءِ الْمُتَبَدِّدَةِ، وَالصُّوَرِ الْمُضْمَحِلَّةِ، وَاسْتِعْظَامِ بَاهِرِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى. وَالسُّؤَالُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ يَقْتَضِي تَيَقُّنَ مَا سَأَلَ عَنْهُ:

وَهُوَ الْإِحْيَاءُ، وَتَقَرُّرُهُ، وَالْإِيمَانُ بِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا انْطَوَى الضَّمِيرُ عَلَى اعْتِقَادِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَعَانِي: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَأَلَ مِنْ رَبِّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْقُلُوبَ، فَتَأْوِيلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالُوا وفي سَبَبِ سُؤَالِهِ أَقْوَالَ أَحَدُهَا: أَنَّهُ رَأَى دَابَّةً قَدْ تَوَزَّعَتْهَا السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى حَاشِيَةِ الْبَحْرِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. أَوْ: الْفِكْرُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِمَا قَالَهُ نُمْرُوذُ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، أَوِ: التَّجْرِبَةُ لِلْخُلَّةِ مِنَ اللَّهِ إِذْ بَشَّرَ بِهَا، لِأَنَّ الْخَلِيلَ يُدَلُّ بِمَا لَا يُدَلُّ غَيْرُهُ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.

قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ الضَّمِيرُ فِي: قَالَ، عَائِدٌ عَلَى الرَّبِّ، وَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ، كَقَوْلِهِ:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا؟

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «١» الْمَعْنَى: أَنْتُمْ خَيْرُ، وَقَدْ شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ، وَكَذَلِكَ هَذَا مَعْنَاهُ: قَدْ آمَنْتُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. إِيمَانًا مُطْلَقًا دَخَلَ فِيهِ فِعْلُ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَالْوَاوُ: وَاوُ حَالٍ، دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ التَّقْرِيرِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَكَوْنُ الْوَاوِ هُنَا لِلْحَالِ غَيْرَ وَاضِحٍ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ لِلْحَالِ فلابد أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَإِذْ ذَاكَ لَا بُدَّ لَهَا مَنْ عَامِلٍ، فَلَا تَكُونُ الْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ دَخَلَتْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ، إِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا وَعَلَى ذِي الْحَالِ، وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: أَسَأَلْتَ وَلَمْ تُؤْمِنْ؟ أَيْ: أَسَأَلْتَ فِي هَذِهِ الْحَالِ؟.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّقْرِيرَ إِنَّمَا هُوَ مُنْسَحِبٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ، وَأَنَّ: الْوَاوَ، لِلْعَطْفِ، كَمَا قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً «٢» وَنَحْوُهُ. وَاعْتَنَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَقُدِّمَتْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ فِي هَذَا، وَلِذَلِكَ كان الجواب: ببلى، فِي قَوْلِهِ قالَ: بَلى وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ جَوَابَ التَّقْرِيرِ الْمُثْبَتِ، وَإِنْ كَانَ بِصُورَةِ النَّفْيِ، تُجْرِيهِ الْعَرَبُ مَجْرَى جَوَابِ النَّفْيِ الْمَحْضِ، فَتُجِيبُهُ عَلَى صُورَةِ النَّفْيِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَعْنَى الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، أَنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُلْحَظُ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ عِلَّةٌ ذُكِرَتْ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّ: الْوَاوَ، لِلْحَالِ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُجَابَ العامل في الحال


(١) سورة الشرح: ٩٤/ ١. [.....]
(٢) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>