وَأَمَرَهُ بِالْأَخْذِ لِلطُّيُورِ وَهُوَ: إِمْسَاكُهَا بِيَدِهِ لِيَكُونَ أَثْبَتَ فِي الْمَعْرِفَةِ بِكَيْفِيَّةِ الْإِحْيَاءِ، لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ حَاسَّةُ الرُّؤْيَةِ، وَحَاسَّةِ اللَّمْسِ.
وَالطَّيْرُ اسْمُ جَمْعٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ، يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ، وَهُنَا أَتَى مُذَكَّرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ وَجَاءَ عَلَى الْأَفْصَحِ فِي اسْمِ الْجَمْعِ فِي الْعَدَدِ حَيْثُ فُصِلَ: بِمِنْ، فَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ مِنَ الطَّيْرِ يَجُوزُ الْإِضَافَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: تِسْعَةُ رَهْطٍ «١» وَنَصَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لِاسْمِ الْجَمْعِ فِي الْعَدَدِ نَادِرَةٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ لِمَا لَا يَعْقِلُ مُؤَنَّثٌ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ صَوَابٍ.
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أَيْ قَطِّعْهُنَّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ بِالنَّبَطِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: هِيَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
قَطِّعْهُنَّ. وَأَنْشَدَ لِلْخَنْسَاءِ:
فَلَوْ يُلَاقِي الَّذِي لَاقَيْتُهُ حِضْنٌ ... لَظَلَّتِ الشُّمُّ مِنْهُ وَهِيَ تَنْصَارُ
أَيْ تَتَقَطَّعُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَصِلْهُنَّ، وَعَنْهُ: مَزِّقْهُنَّ وَفَرِّقْهُنَّ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ:
اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: اجْمَعْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، أَوْثِقْهُنَّ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: شَقِّقْهُنَّ، بِالنَّبَطِيَّةِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَمِلْهُنَّ.
وَإِذَا كَانَ: فَصُرْهُنَّ، بِمَعْنَى الْإِمَالَةِ فَتَتَعَلَّقُ إِلَيْكَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ بمعنى التقطيع تعلق بخذ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَيَزِيدُ، وَخَلَفٌ، وَرُوَيْسٌ، بِكَسْرِ الصَّادِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالضَّمِّ. وَهُمَا لُغَتَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ: صَارَ يُصَوِّرُ وَيَصِيرُ، بِمَعْنَى أَمَالَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَوْمٌ: فَصُرُّهُنَّ، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَنْ صَرَّهُ يَصُرُّهُ وَيَصِرُّهُ، إِذَا جَمَعَهُ، نَحْوَ: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ وَيَضِرُّهُ، وَكَوْنُهُ مُضَاعَفًا مُتَعَدِّيًا جَاءَ عَلَى يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَلِيلٌ، وَعَنْهُ: فَصَرِّهُنَّ، بِفَتْحِ الصَّادِّ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مِنَ التَّصْرِيَةِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَعَنْهُ أَيْضًا:
فَصُرِّهُنَّ إِلَيْكَ، بِضَمِّ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ.
وَإِذَا تُؤُوِّلَ: فَصُرْهُنَّ، بِمَعْنَى الْقَطْعِ فَلَا حَذْفَ، أَوْ بِمَعْنَى: الْإِمَالَةِ فَالْحَذْفُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَقَطِّعْهُنَّ وَاجْعَلْهُنَّ أَجْزَاءً، وَعَلَى تَفْسِيرِ: فَصُرْهُنَّ بِمَعْنَى أَمِلْهُنَّ وَضُمَّهُنَّ إِلَى
(١) سورة النمل: ٢٧/ ٤٨.