للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْحَسَنُ: جَنَّاتٌ، بِالْجَمْعِ.

مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَمَّا كَانَ النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ أَكْرَمَ الشَّجَرِ وَأَكْثَرَهَا مَنَافِعَ، خُصَّا بِالذِّكْرِ، وَجُعِلَتِ الْجَنَّةُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ غَيْرُهُمَا، وَحَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ هَذَا، نَصَّ عَلَى النَّخِيلِ دُونَ الثَّمَرَةِ. وَعَلَى ثَمَرَةِ الْكَرْمِ دُونَ الْكَرْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَعْظَمَ مَنَافِعِ الْكَرْمِ هُوَ ثَمَرَتُهُ دُونَ أَصْلِهِ، وَالنَّخِيلُ كُلُّهُ مَنَافِعُهُ عَظِيمَةٌ، تُوَازِي مَنْفَعَةَ ثَمَرَتِهِ مِنْ خَشَبِهِ وَجَرِيدِهِ وَلِيفِهِ وَخُوصِهِ، وَسَائِرِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ النَّخِيلِ وَثَمَرَةِ الْكَرْمِ.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.

لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ أَشْجَارٌ غَيْرُ النَّخِيلِ وَالْكَرْمِ، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الظَّاهِرِ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّمَرَاتِ الْمَنَافِعَ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لَهُ فِيهَا.

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، فَعَلَى مَذْهَبِ الأخفش: من، زائدة، التقدير: لَهُ فِيهَا كُلُّ الثَّمَرَاتِ، عَلَى إِرَادَةِ التَّكْثِيِرِ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، لَا أَنَّ الْعُمُومَ مُرَادٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي زِيَادَتِهَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا نَكِرَةٌ، نَحْوَ: قَدْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ، فَلَا يَجُوزُ زِيَادَتُهَا، لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا غَيْرُ مُوجَبٍ، وَبَعْدَهَا نَكِرَةٌ، وَيَحْتَاجُ هَذَا إِلَى تَقْيِيدٍ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ (مَنْهَجِ السَّالِكِ) مِنْ تَأْلِيفِنَا. وَيَتَخَرَّجُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ، لَهُ فِيهَا رِزْقٌ، أَوْ: ثَمَرَاتٌ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. وَنَظِيرُهُ فِي الْحَذْفِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... تُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ

التَّقْدِيرُ: كَأَنَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ، حُذِفَ: جَمَلٌ، لِدَلَالَةِ: مِنْ جِمَالِ، عَلَيْهِ، كَمَا حُذِفَ ثَمَرَاتٌ لِدَلَالَةِ: مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ «١» أَيْ: وَمَا أَحَدٌ مِنَّا، فأحد مبتدأ محذوف، و: منا، صِفَةٌ، وَمَا بَعْدَ إِلَّا جُمْلَةُ خَبَرٍ عَنِ الْمُبْتَدَأِ.

وَأَصابَهُ الْكِبَرُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ، وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ أَيْ وَقَدْ أَصَابَهُ الْكِبَرُ، كقوله:


(١) سورة الصافات: ٣٧/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>