للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ: كَافِرَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَفَضَهَا عَلَى الْعَطْفِ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَكُونُ: فِئَةٌ، الْأُولَى بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرٍ أَيْ: فِئَةٌ مِنْهُمَا تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَرْتَفِعُ أُخْرَى عَلَى وَجْهَيِ الْقَطْعِ إِمَّا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَإِمَّا عَلَى الخبر.

وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: فِئَةً، بِالنَّصْبِ. قَالُوا: عَلَى الْمَدْحِ، وَتَمَامُ هَذَا الْقَوْلِ: إِنَّهُ انْتَصَبَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَدْحِ، وَالثَّانِي عَلَى الذَّمِّ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَمْدَحُ فِئَةً تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَذُمُّ أُخْرَى كَافِرَةً.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّصْبُ فِي: فِئَةٍ، عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لَا يَكُونُ نَكِرَةً وَلَا مُبْهَمًا، وَأَجَازَ هُوَ، وَغَيْرُهُ قَبْلَهُ كَالزَّجَّاجِ: أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي: الْتَقَتَا، وَذَكَرَ: فِئَةً، عَلَى سَبِيلِ التَّوْطِئَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُقَاتِلُ، بِالتَّاءِ عَلَى تَأْنِيثِ الْفِئَةِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَمُقَاتِلٌ: يُقَاتِلُ بِالْيَاءِ عَلَى التَّذْكِيرِ، قَالُوا: لِأَنَّ مَعْنَى الْفِئَةِ الْقَوْمُ فَرُدَّ إِلَيْهِ، وَجَرَى عَلَى لَفْظِهِ.

يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ قَرَأَ نَافِعٌ، وَيَعْقُوبُ، وَسَهْلٌ، تَرَوْنَهُمْ، بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَلْحَةُ: تُرَوْنَهُمْ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخِطَابِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي: لَكُمْ، لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي:

تَرَوْنَهُمْ، لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا. وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي: تَرَوْنَهُمْ، وَضَمِيرُ الْجَرِّ فِي: مِثْلَيْهِمْ، عَائِدٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ مِثْلَيْ أَنْفُسِهِمْ فِي الْعَدَدِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْآيَةِ، أَنَّهُمْ رَأَوُا الْكُفَّارَ فِي مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ نَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَوْقَعَ الْمُسْلِمُونُ بِهِمْ. وَهَذِهِ حَقِيقَةُ التَّأْيِيدِ بِالنَّصْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ «١» وَاسْتُبْعِدَ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ، وَآيَةَ الْأَنْفَالِ، قِصَّةً وَاحِدَةً، وَهُنَاكَ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يُجَامِعُ هَذَا التَّكْثِيرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى مَنْ قَرَأَ بِتَاءِ الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي: تَرَوْنَهُمْ لِلْكَافِرِينَ وَالْمَجْرُورُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَالتَّقْدِيرُ: تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ مِثْلَيِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْتُبْعِدَ هَذَا إِذْ كَانَ التَّرْكِيبُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ: تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْكُمْ.


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>