للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنَ الِالْتِفَاتِ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «١» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي: مِثْلَيْهِمْ، عَلَى الْفِئَةِ الْمُقَاتِلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ مِثْلَيِ الْفِئَةِ الْمُقَاتِلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ. وَالْمَعْنَى: تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْكُمْ، وَهَذَا تَقْلِيلٌ، إذ كَانُوا نَيِّفًا عَلَى أَلْفٍ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي تَقْدِيرِ ثُلُثٍ. مِنْهُمْ، فَأَرَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ الْكَافِرِينَ فِي ضِعْفَيِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ «٢» لتجترؤا عَلَيْهِمْ.

وَإِذَنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي: لَكُمْ، لِلْكَافِرِينَ وَفِي: تَرَوْنَهُمْ، الْخِطَابُ لَهُمْ، وَالْمَنْصُوبُ وَالْمَجْرُورُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالتَّقْدِيرُ: تَرَوْنَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْ أَنْفُسِهِمْ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدًا عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ، أَيْ: مِثْلَيِ الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ، فيكون الله تعالى قد أَرَى الْمُشْرِكِينَ الْمُؤْمِنِينَ أَضْعَافَ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ أَضْعَافَ الْكَافِرِينَ عَلَى قِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَهَابُوهُمْ وَيَجْبُنُوا عَنْهُمْ، وَكَانَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَةُ مَدَدًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا أَمَدَّهُمْ تَعَالَى بِالْمَلَائِكَةِ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ، وَآيَةُ الْأَنْفَالِ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا التَّكْثِيرِ وَذَاكَ التَّقْلِيلِ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ، قُلِّلُوا أَوَّلًا فِي أَعْيُنِ الْكُفَّارِ حَتَّى يجترؤا عَلَى مُلَاقَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُثِّرُوا حَالَةَ الْمُلَاقَاةِ حَتَّى قَهَرُوا وَغَلَبُوا، كَقَوْلِهِ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «٣» فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ «٤» وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّ الجملة صفة لقوله: وأخرى كافرة، وَضَمِيرُ الرَّفْعِ عَائِدٌ عَلَيْهَا عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ لَوْ عَادَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ: تَرَاهُمْ، وَضَمِيرُ النَّصْبِ عَائِدٌ عَلَى: فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَضَمِيرُ الْجَرِّ فِي: مِثْلَيْهِمْ، عَائِدٌ عَلَى فِئَةٍ أَيْضًا، وَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْفِئَةِ، إِذْ لَوْ عَادَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ التَّرْكِيبُ: تَرَاهَا مِثْلَيْهَا، أَيْ تَرَى الْفِئَةُ الْكَافِرَةُ الْفِئَةَ الْمُؤْمِنَةَ فِي مِثْلَيْ عَدَدِ نَفْسِهَا. أَيْ:

سِتِّمِائَةٍ وَنَيِّفٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ مِثْلَيْ أَنْفُسِ الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ، أَيْ أَلْفَيْنِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدًا عَلَى الْفِئَةِ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى الْمَعْنَى، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ وَالْمَجْرُورُ عَائِدًا عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ: تَرَى الْفِئَةُ الْمُؤْمِنَةُ الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ مِثْلَيْ نَفْسِهَا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ، أَيْ: مِثْلَيِ الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ.


(١) سورة يونس: ١٠/ ٢٢.
(٢) سورة الأنفال: ٨/ ٦٦.
(٣) سورة الصافات: ٣٧/ ٢٤.
(٤) سورة الرحمن: ٥٥/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>