فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ تَعَالَى، تَنَزَّهَ عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ، يَنْزِلُ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخَرِ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلَعَ الْفَجْرُ» .
وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمْ يَتَحَرَّوْنَ الْأَسْحَارَ لِيَسْتَغْفِرُوا فِيهَا، وَكَانَ السَّحَرُ مُسْتَحَبًّا فِيهِ الِاسْتِغْفَارُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ أَشَقُّ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ إِغْفَاءَةَ الْفَجْرِ مِنْ أَلَذِّ النَّوْمِ؟! وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَكُونُ إِذْ ذَاكَ أَصْفَى، وَالْبَدَنَ أَقَلُّ تَعَبًا، وَالذِّهْنَ أَرَقُّ وَأَحَدُّ، إِذْ قَدْ أَجَمَّ عَنِ الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ بِسُكُونِ بَدَنِهِ، وَتَرَكَ فِكْرَهُ بِانْغِمَارِهِ فِي وَارِدِ النَّوْمِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَيَحْسُنُ طَلَبُ الْحَاجَةِ فِيهِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «١» انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ، عَنِ الْحَسَنِ. وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الْخَمْسَةُ هِيَ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ وَهُمُ: الْمُؤْمِنُونَ، وَعُطِفَتْ بِالْوَاوِ وَلَمْ تُتْبَعْ دُونَ عَطْفٍ لِتَبَايُنِ كُلِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَةٍ، إِذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، فَيَنْزِلُ تَغَايُرُ الصِّفَاتِ وَتَبَايُنُهَا مَنْزِلَةَ تَغَايُرِ الذَّوَاتِ فَعُطِفَتْ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْوَاوُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الصِّفَاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِهِمْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. انْتَهَى. وَلَا نَعْلَمُ الْعَطْفَ فِي الصِّفَةِ بِالْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الصَّابِرِينَ: صَبَرُوا عَنِ المعاصي. وقيل: عن المصائب. وَقِيلَ: ثَبَتُوا عَلَى الْعَهْدِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: هُمُ الصَّائِمُونَ.
وَقَالُوا فِي الصَّادِقِينَ: فِي الْأَقْوَالِ. وَقِيلَ: فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالنِّيَّةِ. وَقِيلَ: فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
وَقَالُوا فِي الْقَانِتِينَ: الْحَافِظِينَ لِلْغَيْبِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقَائِمِينَ عَلَى الْعِبَادَةِ. وَقِيلَ:
الْقَائِمِينَ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: الدَّاعِينَ الْمُتَضَرِّعِينَ. وَقِيلَ: الْخَاشِعِينَ. وَقِيلَ: الْمُصَلِّينَ.
وَقَالُوا فِي الْمُنْفِقِينَ: الْمُخْرِجِينَ الْمَالَ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ. وَقِيلَ: فِي الْجِهَادِ. وَقِيلَ:
فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ. وَقَالَ ابْنُ قتيبة: في الصدقات.
وقالوا في المستغفرين: السائلين الْمَغْفِرَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَقَتَادَةُ: السَّائِلِينَ الْمَغْفِرَةَ وَقْتَ فَرَاغِ الْبَالِ وَخِفَّةِ الْأَشْغَالِ، وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا:
الْمُصَلِّينَ بِالْأَسْحَارِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمُصَلِّينَ الصبح في جماعة.
(١) سورة فاطر: ٣٥/ ١٠.