للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِدْخَالَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ رَضِيَهُ مِنْهُمْ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ.

انْتَهَى.

قِيلَ: وَلَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّزْكِيَةِ وَلَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: آمَنَّا، هُوَ اعْتِرَافٌ بِمَا أُمِرُوا بِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَزْكِيَةً مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَمُوتُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ، لَا فِيمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ، وَلَا قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ الْعَبْدُ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَقْلًا.

وَأُعْرِبَ: الَّذِينَ يَقُولُونَ، صِفَةً وَبَدَلًا وَمَقْطُوعًا لِرَفْعٍ أَوْ لِنَصْبٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ: الَّذِينَ اتَّقَوْا «١» أَوْ مِنْ تَوَابِعِ: الْعِبَادِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ لَمَّا ذَكَرَ الْإِيمَانَ بِالْقَوْلِ، أَخْبَرَ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى حَبْسِ النَّفْسِ عَلَى مَا هُوَ شَاقٌّ عَلَيْهَا مِنَ التَّكَالِيفِ، فَصَبَرُوا عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَةِ، وَعَنِ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ، ثُمَّ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ فِي الْقَلْبِ لِلَّفْظِ النَّاطِقِ بِهِ اللِّسَانُ، فَهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ:

رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا وَفِي جَمِيعِ مَا يُخْبِرُونَ.

وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ بِوَصْفِ الْقُنُوتِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ «٢» فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، ثُمَّ بِوَصْفِ الْإِنْفَاقِ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي نَفْعُهَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا لَا يَتَعَدَّى، فَأَتَى فِي هَذَا بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ، وَحُذِفَتْ مُتَعَلِّقَاتُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لِلْعِلْمِ بِهَا، فَالْمَعْنَى: الصَّابِرِينَ عَلَى تَكَالِيفِ رَبِّهِمْ، وَالصَّادِقِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَالْقَانِتِينَ لِرَبِّهِمْ، وَالْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ اللَّهَ لِذُنُوبِهِمْ فِي الْأَسْحَارِ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ رَتَّبُوا طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ التَّقْوَى، أَخْبَرَ أَيْضًا عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ عِنْدَ اتِّصَافِهِمْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ، هُمْ مُسْتَغْفِرُونَ بِالْأَسْحَارِ، فَلَيْسُوا يَرَوْنَ اتِّصَافَهُمْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ مِمَّا يُسْقِطُ عَنْهُمْ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ، وَخَصَّ السَّحَرَ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانُوا مُسْتَغْفِرِينَ دَائِمًا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ الإجابة، كما صح


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢١٢. وآل عمران: ٣/ ١٩٨، والأعراف: ٧/ ٢٠١ والرعد: ١٣/ ٣٥ والنحل:
١٦/ ٦٢٨ ومريم: ١٩/ ٧٢ والزمر: ٣٩/ ٢٠ و ٦١ و ٧٣.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١١٦ والروم: ٣٠/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>