للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِبْكَارُ: مَصْدَرُ أَبْكَرَ، يُقَالُ أَبْكَرَ: خَرَجَ بُكْرَةً.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْنُ أَبْنَاءُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ. وَنَحْنُ عَلَى دِينِهِمْ، فَنَزَلَتْ.

وَقِيلَ: فِي نَصَارَى نَجْرَانَ لَمَّا غَلَوْا فِي عِيسَى، وَجَعَلُوهُ ابْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاتَّخَذُوهُ إِلَهًا، نَزَلَتْ رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَإِعْلَامًا أَنَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ الْمُتَنَقِّلِينَ فِي الْأَطْوَارِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَى الْإِلَهِ، وَاسْتَطْرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى وِلَادَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ إِلَى وِلَادَتِهِ هُوَ، وَهَذِهِ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَاتِ لِمَا قَبْلَهَا. وَأَيْضًا. لِمَا قُدِّمَ قَبْلُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «١» وَوَلِيَهُ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ «٢» وَخَتَمَهَا بِأَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ «٣» ذَكَرَ الْمُصْطَفَيْنَ الَّذِينَ يُحِبُّ اتِّبَاعَهُمْ، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِأَوَّلِهِمْ وُجُودًا وَأَصْلِهِمْ، وَثَنَى بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ هُوَ آدَمُ الْأَصْغَرُ لَيْسَ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا مِنْ نَسْلِهِ، ثُمَّ أَتَى ثَالِثًا بِآلِ إِبْرَاهِيمَ، فَانْدَرَجَ فِيهِمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَأْمُورُ بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ أَتَى رَابِعًا بِآلِ عِمْرَانَ، فَانْدَرَجَ فِي آلِهِ مَرْيَمُ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَنَصَّ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ لِخُصُوصِيَّةِ الْيَهُودِ بِهِمْ، وَعَلَى آلِ عِمْرَان لِخُصُوصِيَّةِ النَّصَارَى بِهِمْ، فَذَكَرَ تَعَالَى جَعْلَ هَؤُلَاءِ صَفْوَةً، أَيْ مُخْتَارِينَ نَقَاوَةً.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَقَّاهُمْ مِنَ الْكَدَرِ. وَهَذَا مِنْ تَمْثِيلِ الْمَعْلُومِ بِالْمَحْسُوسِ..

وَاصْطِفَاءُ آدَمَ بِوُجُوهٍ.

مِنْهَا خَلْقُهُ أَوَّلَ هَذَا الْجِنْسِ الشَّرِيفِ، وَجَعْلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِسْجَادُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ، وَإِسْكَانُهُ جَنَّتَهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَرَّفَهُ بِهِ.

وَاصْطِفَاءُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَشْيَاءَ، مِنْهَا: أَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِتَحْرِيمِ: الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَسَائِرِ ذَوِي الْمَحَارِمِ، وَأَنَّهُ أَبُ النَّاسِ بَعْدَ آدَمَ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَاصْطِفَاءُ آلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ جَعَلَ فِيهِمُ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ: آلُ إِبْرَاهِيمَ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: آلُهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِآلِ إِبْرَاهِيمَ إِبْرَاهِيمُ نَفْسُهُ. وَتَقَدَّمَ لَنَا شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ «٤» .

وَعِمْرَانُ هَذَا الْمُضَافُ إِلَيْهِ: آلُ، قِيلَ هُوَ: عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ مِنْ وَلَدِ سليمان بن داود،


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٣١.
(٣- ٢) سورة آل عمران: ٣/ ٣٢.
(٤) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>