للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَقَوْلِهِ: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ «١» أَيْ آبَاءَهُمْ، وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ: الذَّرَارِي. وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ:

الْآيَةُ تُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْآبَاءُ ذَرِّيَّةً لِلْأَبْنَاءِ، وَالْأَبْنَاءُ ذَرِّيَّةً لِلْآبَاءِ، وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فالأب ذرىء منه الولد، والولد ذرىء مِنَ الْأَبِ. وَقَالَ مَعْنَاهُ النَّقَّاشُ فَعَلَى قَوْلِ الرَّاغِبِ وَصَاحِبِ النَّظْمِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: ذَرِّيَّةً، بَدَلًا مِنْ: آدَمَ، وَمَنْ عُطِفَ عَلَيْهِ.

وَأَجَازُوا أَيْضًا نَصْبَ: ذَرِّيَّةً، عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ مِنَ الْبَدَلِ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذُرِّيَّةٍ دَلَالَةً وَاشْتِقَاقًا وَوَزْنًا، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالضَّحَّاكُ: ذِرِّيَّةً، بِكَسْرِ الذَّالِ، وَالْجُمْهُورُ بِالضَّمِّ.

بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لذرية و: من، لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً أَيْ:

مُتَشَعِّبَةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِي التَّنَاسُلِ، فَإِنْ فُسِّرَ عِمْرَانَ بِوَالِدِ مُوسَى وَهَارُونَ فَهُمَا مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ يَصْهَرَ، وَيَصْهَرُ مِنْ قَاهِثَ، وَقَاهِثُ مِنْ لَاوَى، وَلَاوَى مِنْ يعقوب، ويعقوب من إسحاق، وإسحاق مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَإِنْ فُسِّرَ عِمْرَانَ بِوَالِدِ مَرْيَمَ أُمِّ عِيسَى، فَعِيسَى مِنْ مَرْيَمَ، وَمَرْيَمُ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ مَاثَانَ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ داود، وسليمان مِنْ وَلَدِ يَهُوذَا بْنِ يعقوب بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ دَخَلَ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقِيلَ: مِنْ، لِلتَّبْعِيضِ مَجَازًا أَيْ: مِنْ بَعْضٍ فِي الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ، قَالَ: مِنْ بَعْضٍ فِي تَنَاصُرِ الدِّينِ، وَقَالَ أَبُورُوتُ:

بَعْضُهَا عَلَى دِينِ بَعْضٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ.

وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَيْ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُهُ الْخَلْقُ، عَلِيمٌ بِمَا يُضْمِرُونَهُ. أَوْ: سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُهُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ، عَلِيمٌ بِمَا تَقْصِدُ. أَوْ: سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُهُ الذُّرِّيَّةُ، عَلِيمٌ بِمَا تُضْمِرُهُ. ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْلُحُ لِلِاصْطِفَاءِ، أَوْ: يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الدِّينِ. انْتَهَى.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ خَتْمَ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ مناسب لقوله آلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لآله فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ


(١) سورة يس: ٣٦/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>