للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ ذِي زَرْعٍ «١» بِقَوْلِهِ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ «٢» وَحَمَدَ رَبَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ «٣» وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ رَبِّهِ: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ «٤» ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَذُرِّيَّتَهُ، وَقَالَ حِينَ بنى هو وإسماعيل الْكَعْبَةَ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا «٥» إِلَى سَائِرِ مَا دَعَا بِهِ حَتَّى قَوْلِهِ:

وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ «٦» وَلِذَلِكَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ» .

فَلَمَّا تَقَدَّمَتْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ تَضَرُّعَاتٌ وَأَدْعِيَةٌ لِرَبِّهِ تَعَالَى فِي آلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، نَاسَبَ أَنْ يُخْتَمَ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ آلُ عِمْرَانَ، دَعَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بِقَبُولِ مَا كَانَتْ نَذَرَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَنَاسَبَ أَيْضًا ذِكْرَ الْوَصْفَيْنِ، وَلِذَلِكَ حِينَ ذَكَرَتِ النَّذْرَ وَدَعَتْ بِتَقَبُّلِهِ، أَخْبَرَتْ عَنْ رَبِّهَا بِأَنَّهُ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَيِ: السَّمِيعُ لِدُعَائِهَا، الْعَلِيمُ بِصِدْقِ نِيَّتِهَا بِنَذْرِهَا مَا فِي بَطْنِهَا لِلَّهِ تَعَالَى.

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ الْآيَةَ، لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى اصْطَفَى آلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ مُعْظَمُ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَمْرِ النَّصَارَى وَفْدَ نَجْرَانَ، ذَكَرَ ابْتِدَاءً حَالَ آلِ عِمْرَانَ، وامرأة عِمْرَانَ اسْمُهَا: حَنَّةُ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَآخِرُهَا تَاءُ تَأْنِيثٍ، وَهُوَ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ، وَهِيَ حَنَّةُ بنت فاقود، ودير حَنَّةَ بِالشَّامِ مَعْرُوفٌ، وَثَمَّ دَيْرٌ آخَرُ يُعْرَفُ بِدَيْرِ حَنَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نواس دَيْرَ حَنَّةَ فِي شِعْرِهِ فَقَالَ:

يَا دَيْرَ حَنَّةَ من ذات الاكيداح ... مَنْ يَصْحُ عَنْكِ فَإِنِّي لَسْتُ بِالصَّاحِ

وَقَبْرُ حَنَّةَ، جَدَّةُ عِيسَى، بِظَاهِرِ دِمَشْقَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِيِّ اسْمُ امْرَأَةٍ حَنَّةُ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ: حَنَّةُ أم عمرو يروي حَدِيثَهَا ابْنُ جُرَيْجٍ.

وَيُسْتَفَادُ حَنَّةُ مَعَ: حَبَّةَ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَاءٍ بِوَاحِدَةٍ مِنْ أسفل، و: حية، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَاءٍ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ أَسْفَلَ، وَهُمَا اسْمَانِ لِنَاسٍ، وَمَعَ: خَبَّةَ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ أَسْفَلَ، وَهِيَ خَبَّةُ بِنْتُ يحيى بن أكثم القاضي، أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، وَمَعَ: جَنَّةَ بِجِيمٍ وَنُونٍ وَهُوَ أَبُو جَنَّةَ خَالُ ذِي الرُّمَّةِ الشَّاعِرِ، لَا نَعْرِفُ سِوَاهُ.

وَلَمْ تَكْتَفِ حَنَّةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ حَتَّى أَظْهَرَتْهُ بِاللَّفْظِ، وَخَاطَبَتْ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى، وَقَدَّمَتْ قَبْلَ التلفظ بذلك نداء هاله تَعَالَى بِلَفْظِ الرَّبِّ. الَّذِي هُوَ مَالِكُهَا وَمَالِكُ كُلِّ شيء، وتقدّم معنى


(٢- ١) سورة إبراهيم: ١٤/ ٣٧. [.....]
(٤- ٣) سورة إبراهيم: ١٤/ ٣٩.
(٥) سورة البقرة: ٢/ ١٢٧.
(٦) سورة البقرة: ٢/ ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>