الْقُرْبَانَ، وَيَفْتَحُ بَابَ الْمَذْبَحِ، فَلَا يَدْخُلُونَ حَتَّى يُؤْذَنَ. فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ، يَعْنَى الْمَسْجِدَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَفَزِعَ مِنْهُ، فَنَادَاهُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ: يَا زَكَرِيَّا! إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ.
وَقِيلَ:
الْمِحْرَابُ مَوْقِفُ الْإِمَامِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقِيلَ: الْقِبْلَةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِحْرَابَ هُوَ الْمِحْرَابُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ فَفِي الْمَكَانِ الَّذِي رَأَى فِيهِ خَرْقَ الْعَادَةِ، فِيهِ دَعَا، وَفِيهِ جَاءَتْهُ الْبِشَارَةُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي شَرِيعَتِهِمْ.
وَقِيلَ: الصَّلَاةُ هُنَا الدُّعَاءُ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِدَاءِ الْمُتَلَبِّسِ بِالصَّلَاةِ وَتَكْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ شَغْلٌ لَهُ عَنْ صَلَاتِهِ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، أَوْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، و: يصلي، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً: لقائم، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضمير المستكن في: قَائِمٌ، أَوْ: مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ حَالَيْنِ مِنْ ذِي حَالٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثانيا: لهو، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ لِمُبْتَدَأٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى خَبَرٍ وَاحِدٍ.
وَيَتَعَلَّقُ: فِي الْمِحْرَابِ، بِقَوْلِهِ: يُصَلِّي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ: بقائم، فِي وَجْهٍ مِنِ احْتِمَالَاتِ إِعْرَابِ: يُصَلِّي، إِلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ: يُصَلِّي، حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي اسْتَكَنَّ فِي: قَائِمٌ، فَيَجُوزُ. لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَتَّحِدُ الْعَامِلُ فِيهِ وَفِي: يُصَلِّي، وَهُوَ: قَائِمٌ، لِأَنَّ الْعَامِلَ إِذْ ذَاكَ فِي الْحَالِ هُوَ: قَائِمٌ، إِذْ هُوَ الْعَامِلُ فِي ذِي الْحَالِ، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ.
وَفِي قَوْلِهِ: قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ قَالُوا: دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي مِحْرَابِهِ، وَقَدْ كَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا.
وَرَقَّقَ وَرْشٌ رَاءَ: الْمِحْرَابِ، وَأَمَالَ الرَّاءَ ابْنُ ذَكْوَانَ إِذَا كَانَ: الْمِحْرَابِ، مَجْرُورًا وَنَسَبَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى ابْنِ عَامِرٍ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْجَرِّ.
أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ: إِنَّ اللَّهَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الْكَسْرُ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ: وَقَالَتْ. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا إِضْمَارَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْقَوْلِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ: كَالنِّدَاءِ وَالدُّعَاءِ، يَجْرِي مَجْرَى الْقَوْلِ فِي الْحِكَايَةِ، فَكُسِرَتْ بِنَادَتْهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: قَالَتْ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute