قِيلَ: وَمَا
جَاءَ فِي حَدِيثِ وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَذُو الطَّوْلِ علينا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّيِّدُ هُوَ اللَّهُ، تَكَلَّمُوا بِكَلَامِكُمْ»
، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُمْ مُتَكَلِّفِينَ لِذَلِكَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ، وَقَدْ سَمَّى هُوَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ سَيِّدًا، وَكَذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ.
وَحَصُوراً هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَحَصُورًا لَا يُرِيدُ نِكَاحًا ... لَا وَلَا يَبْتَغِي النِّسَاءَ الصِّبَاحَا
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِبَصَرِهِ.
وَقِيلَ: الْحَاصِرُ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ. وَقِيلَ:
عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ. وَقِيلَ: الْحَصُورُ الْهَيُوبُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالضَّحَّاكُ، وَالْمُسَيَّبُ: هُوَ الْعِنِّينُ الَّذِي لَا ذَكَرَ لَهُ يَتَأَتَّى بِهِ النِّكَاحُ وَلَا يَنْزِلُ.
وَإِيرَادُ الْحَصُورِ وَصْفًا فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْفِعْلِ الْمُكْتَسَبِ دُونَ الْجِبِلَّةِ فِي الْغَالِبِ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهُ مَقَامُ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ، وَلَعَلَّ تَرْكَ النِّسَاءِ زَهَادَةٌ فِيهِنَّ كَانَ شَرْعُهُمْ إِذْ ذَاكَ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ طَعَامُ يَحْيَى الْعُشْبَ، وَكَانَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَارُ عَلَى عَيْنَيْهِ لَخَرَقَهُ، وَكَانَ الدَّمْعُ اتَّخَذَ مَجْرًى فِي وَجْهِهِ.
قِيلَ: وَمَنْ هَذَا حَالُهُ فَهُوَ فِي شَغْلٍ عَنِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا.
وَقِيلَ: الْحَصُورُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فِي الْمَيْسِرِ. قَالَ الْأَخْطَلُ:
وَشَارِبٌ مُرْبِحٌ بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي ... لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَآرٍ
فَاسْتُعِيرَ لِمَنْ لَا يَدْخُلُ فِي اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ: مَرَّ وَهُوَ طِفْلٌ بِصِبْيَانٍ فَدَعَوْهُ إِلَى اللَّعِبِ، فَقَالَ: مَا لِلَعِبٍ خُلِقْتُ.
وَالْحَصُورُ وَالْحَصِرُ كما تم السِّرِّ. قَالَ جَرِيرُ:
وَلَقَدْ تشاقطني الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا ... حَصِرًا بِسِرِّكَ يَا أُمَيْمُ ضَنِينَا
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ الْعَاصِي، مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ يَحْيَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا للرجل إِلَّا مِثْلَ هَذَا الْعُودِ، يُشِيرُ إِلَى عُوَيْدٍ صَغِيرٍ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ ذَكَرُهُ مِثْلَ هَذِهِ الْقَذَاةِ، يُشِيرُ إِلَى