إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَزْمٌ مُؤَكَّدٌ فُصِلَ بِهِ بَيْنَ الْمُخْتَصِمِينَ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ من أَخْبَارِ عِيسَى، وَكَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ. أَيْ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ لَا مَا يَدَّعِيهِ النَّصَارَى فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ إِلَهًا أَوِ ابْنَ اللَّهِ، وَلَا مَا تَدَّعِيهِ الْيَهُودُ فِيهِ، وَقِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَيَضْعُفُ بِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ بِقَصَصٍ وَبِوُجُودِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِلَّا إِنْ أَرَادَ بِالْقَصَصِ الْخَبَرَ، فَيَصِحُّ عَلَى هَذَا، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِنَّ الْخَبَرَ الْحَقَّ أَنَّهُ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ.
انْتَهَى. لَكِنْ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ وُجُودُ وَاوِ الْعَطْفِ وَاللَّامِ فِي: لَهُوَ، دَخَلَتْ عَلَى الْفَصْلِ.
والقصص خبر إن، والحق صِفَةٌ لَهُ، وَالْقَصَصُ مَصْدَرٌ، أَوْ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيِ:
الْمَقْصُوصِ، كَالْقَبْضِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: هُوَ، مُبْتَدَأً و: القصص، خبره، وَالْجُمْلَةُ، فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ، وَوَصْفُ الْقَصَصِ بِالْحَقِّ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَصَصِ الْمَكْذُوبِ الَّذِي أَتَى بِهِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَغَيْرُهُمْ، فِي أَمْرِ عِيسَى وَإِلَاهِيَّتِهِ.
وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ أَيِ: الْمُخْتَصُّ بِالْإِلَهِيَّةِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الثَّنَوِيَّةِ وَالنَّصَارَى، وَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي غَيْرَ اللَّهِ إِلَهًا.
وَ: مِنْ، زَائِدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَ: إِلَهٍ، مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وَ: اللَّهُ، بَدَلٌ مِنْهُ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ عَلَى اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ زِيَادَةُ: مِنْ، فِي الْوَاجِبِ، وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي نَحْوِ هَذَا التَّرْكِيبِ نَصْبُ مَا بَعْدَ: إِلَّا، نَحْوَ مَا مِنْ شُجَاعٍ إِلَّا زَيْدًا، وَلَمْ يُقْرَأْ بِالنَّصْبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.
وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِشَارَةٌ إِلَى وَصْفَيِ الْإِلَهِيَّةِ وَهُمَا: الْقُدْرَةُ النَّاشِئَةُ عَنِ الْغَلَبَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْعِلْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكْمَةِ فِيمَا صَنَعَ وَالْإِتْقَانُ لِمَا اخْتَرَعَ، فَلَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ. وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مَنْفِيَّتَانِ عَنْ عِيسَى.
وَيَجُوزُ فِي: لَهُوَ، مِنَ الْإِعْرَابِ مَا جَازَ فِي: لهو القصص، وتقديم ذِكْرُ فَائِدَةِ الْفَصْلِ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قَالَ مُقَاتِلٌ: فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنِ الْمُلَاعَنَةِ. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute