للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ خَبَرَ الْحَجِّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «وَلِلَّهِ» حَالًا، لِمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِهَا عَلَى العامل المعنوي. وحج مَصْدَرٌ أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْبَيْتُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ. إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ» «١» هَذَا الْأَصْلُ ثُمَّ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ. فَمَتَى ذُكِرَ الْبَيْتُ لَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ إِلَّا أَنَّهُ الْكَعْبَةُ، وَكَأَنَّهُ صَارَ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيَتُ أَكْرَمُ أَهْلَهُ ... وَأَقْعُدُ فِي أَفَنَائِهِ بِالْأَصَائِلِ

وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي وُجُوبِهِ إِلَّا الِاسْتِطَاعَةُ. وَذَكَرُوا أَنَّ شُرُوطَهُ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ، وَقَالَ بِذَلِكَ دَاوُدُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ مُخَاطَبًا بِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٌ، إِذِ السَّيِّدُ يَمْنَعُهُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ لِحُقُوقِهِ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ. فَلَوْ حَجَّ الْعَبْدُ فِي حَالِ رِقِّهِ، وَالصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، ثُمَّ عَتَقَ وَبَلَغَ فَعَلَيْهِمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ. وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِذْ قَالَ: يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ مَرَّةً، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَرْطَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ: مَشْيٍ، وَتَكَفُّفٍ، وَرُكُوبِ بَحْرٍ، وَإِيجَارِ نَفْسِهِ لِلْخِدْمَةِ. الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْمَشْرُوطُ مُطْلَقُ الِاسْتِطَاعَةِ. وَلَيْسَتْ فِي الْآيَةِ مِنَ الْمُجْمَلَاتِ فَتَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ. وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا عَلَى التَّرَاخِي، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي وَقْتِ حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ. وَالْقَوْلَانِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَرْكِ تَفْسِيقِ الْقَادِرِ عَلَى الْحَجِّ إِذَا أَخَّرَهُ الْعَامَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ فَوَّتَ صَلَاةً حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقَضَاهَا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ حَجَّ بَعْدَ أَعْوَامٍ مِنْ وَقْتِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْتَ قَاضٍ. وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ حَدًّا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ: أَنَّهُ إِذَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ وَهُوَ قَادِرٌ وَتَرَكَ فَسَقَ، وَرُوِيَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَفِي إِعْرَابِ مَنْ خِلَافٌ، ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، فَتَكُونُ مَنْ مَوْصُولَةً فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، وَبَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الضَّمِيرِ، فَهُوَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا مِنْهُمْ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: مِنْ شَرْطِيَّةٌ، فَتَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَيَلْزَمُ حَذْفُ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا، وَحَذْفُ جَوَابِ الشرط، إذ


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>